عرفة نصب لهم دلائل على ربوبيته وركب فيهم عقلا (وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ) قال (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى) أنت ربنا (شَهِدْنا) بذلك والإشهاد ل (أَنْ) لا (تَقُولُوا) بالياء والتاء في الموضعين أي الكفار (يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا) التوحيد (غافِلِينَ) (١٧٢) لا نعرفه (أَوْ تَقُولُوا إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ) أي قبلنا (وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ) فاقتدينا بهم (أَفَتُهْلِكُنا) تعذبنا (بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ) (١٧٣) من آبائنا بتأسيس الشرك ، المعنى لا يمكنهم الاحتجاج بذلك مع إشهادهم على أنفسهم بالتوحيد والتذكير به على لسان صاحب المعجزة قائم مقام ذكره في النفوس (وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ) نبينها مثل ما بينا الميثاق ليتدبروها (وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (١٧٤) عن كفرهم
____________________________________
رسلا يذكرونكم عهدي وميثاقي ، ومنزل عليكم كتابا ، فتكلموا جميعا وقالوا : شهدنا أنك ربنا لا رب لنا غيرك ، فأخذ بذلك مواثيقهم ، ثم كتب الله آجالهم وأرزاقهم ومصائبهم ، فنظر إليهم آدم عليهالسلام ، فرأى الغني والفقير ، وحسن الصورة ودون ذلك ، فقال : رب هلا سويت بينهم؟ فقال : إني أحب أن أشكر ، فلما قررهم بتوحيده ، وأشهد بعضهم على بعض ، أعادهم ألى صلبه ، فلا تقوم الساعة حتى يولد كل من أخذ منه الميثاق. قوله : (كالذر) قيل هو صغار النمار ، وقيل هو الهباء الذي يطير في الشمس ، وقيل غير ذلك. قوله : (بنعمان) مكان بجنب عرفة. قوله : (وركب فيهم عقلا) أي وسمعا وروحا.
قوله : (وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ) أي قررهم ، فإن الشهادة على النفس معناها الإقرار. قوله : (بَلى) هي جواب للنفي ، ولكنها تفيد إثباته ، كان مجردا أو مقرونا بالاستفهام التقريري كما هنا ، ولذا قال عباس : لو قالوا نعم لكفروا ، لأن نعم لتقرير ما قبلها مثبتا أو منفيا ، فكأنهم أقروا بأنه ليس بربهم ، وإلى ذلك أشار العارف الأجهوري رضي الله عنه بقوله :
بل جواب النفي لكنه |
|
يصير إثباتا كذا قرروا |
نعم لتقرير الذي قبلها |
|
إثباتا أو نفيا كذا حرروا |
قوله : (شَهِدْنا) يحتمل أن يكون من كلام الملائكة الذين استشهدهم الله على ذلك ، فيكون الوقف على قول : (بَلى) ، ويحتمل أن يكون من كلام الذرية ، ويكون المعنى أقررنا بذلك ، وحينئذ فلا يصح الوقف على (بَلى). قوله : (في الموضعين) أي قوله : (أَنْ تَقُولُوا) ، (أَوْ تَقُولُوا) والمناسب تأخير قوله : (في الموضعين) فعلى الياء يكون إخبارا عنهم ، وعلى التاء يكون خطابا لهم. قوله : (فاقتدينا بهم) أي فهم مؤاخذون بذلك ونحن معذورون. قوله : (المعنى لا يمكنهم) أي معنى الجملتين. قوله : (مع إشهادهم على أنفسهم) أي إقرارهم عليها. قوله : (على لسان صاحب المعجزة) أي وهم المرسلون وهو جواب عما يقال إن هذا العهد لا يذكره أحد اليوم.
قوله : (وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) عطف على قدره المفسر.
ـ فائدة حسنة ـ ذكر القطب الشعراني في رسالة سماها القواعد الكشفية في الصفات الإلهية : قد ذكر العلماء في قوله تعالى (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) الآية : اثني عشر سؤالا ، ونحن نوردها عليك مع الجواب عنها بما فتح الله به ، الأول : أين موضع أخذ الله تعالى هذا العهد؟ والجواب :