____________________________________
أن الله أخذ ذلك عليهم ببطن نعمان ، وهو واد بجنب عرفة ، قاله ابن عباس وغيره ، وقال بعضهم : أخذه بسرنديب من أرض الهند ، وهو الموضع الذي هبط آدم فيه من الجنة ، وقال الكلبي : كان أخذ العهد بين مكة والطائف ، وقال الإمام علي بن أبي طالب : كان أخذ العهد في الجنة ، وكل هذه الأمور محتملة ، ولا يضرنا الجهل بالمكان بعد صحة الاعتقاد بأخذ العهد. الثاني : كيف استخرجهم من ظهره؟ والجواب : ورد في الصحيح أنه تعالى مسح ظهر آدم ، وأخرج ذريته منه كلهم كهيئة الذر ، ثم اختلف الناس ، هل شق ظهره واستخرجهم منه؟ أو استخرجهم من بعض ثقوب رأسه ، وكلا الوجهين بعيد ، والأقرب كما قيل ، انه استخرجهم من مسام شعر ظهره ، إذ تحت كل شعرة ثقبة دقيقة يقال لها سم ، مثل سم الخياط في النفوذ لا في السعة ، فتخرج الذرة الضعيفة منها ، كما يخرج الصئبان من العرق السائل ، وهذا غير بعيد في العقل ، فيجب اعتقاد إخراجها من ظهر آدم كما شاء الله ، ولا يجوز اعتقاد أنه تعالى مسح ظهر آدم على وجه المماسة ، إذ لا اتصال بين الحادث والقديم. الثالث : كيف أجابوه تعالى : بلى ، هل كانوا أحياء عقلاء ، أم أجابوه بلسان الحال؟ والجواب أنهم أجابوه بالنطق وهم أحياء عقلاء ، إذ لا يستحيل في العقل ، أن الله يعطيهم الحياة والعقل والنطق مع صغرهم ، فإن بحار قدرته تعالى واسعة ، وغاية وسعنا في كل مسألة أن تثبت الجواز ، ونكل علم كيفيتها إلى الله تعالى. الرابع : فإذا قال الجميع بلى ، فلم قبل قوما ورد آخرين؟ والجواب كما قال الحكيم الترمذي : أن الله تعالى تجلى للكفار بالهيبة فقالوا : بل : مخافة ، فلم يكن ينفعهم إيمانهم ، فكان إيمانهم كإيمان المنافقين ، وتجلى للمؤمنين بالرحمة ، فقالوا : بلى ، مطيعين مختارين ، فنفعهم إيمانهم. الخامس : إذا سبق لنا عهد وميثاق مثل هذا ، فلأي شيء لا نذكره اليوم؟ والجواب : أنا لم نتذكر هذا العهد ، لأن تلك البنية قد انقضت وتغيرت أحوالها ، بمرور الزمان عليها في أصلاب الآباء وأرحام الأمهات ، ثم استحال تصويرها في الأطوار الواردة عليها ، من العلقة والمضغة واللحم والعظم ، وهذا كله مما يوجب النسيان ، وكان علي كرم الله وجهه يقول : إني لأذكر العهد الذي عهد إلي ربي. وكان سهل التستري يقول : إني لأعرف تلامذتي من ذلك اليوم ، ولم أزل أربيهم في الأصلاب حتى وصلوا إلي ، السادس : هل كانت تلك الذرات مصورة بصورة الإنسان أم لا؟ والجواب : لم يبلغا في ذلك دليل ، إلا أن الأقرب للعقول ، عدم الاحتياج إلى كونها بصورة الإنسان ، إذ السمع والنطق لا يفتقران إلى الصورة ، بل يقتضيان محلا حيا لا غير. السابع : متى تعلقت الأرواح بالذوات التي هي الذرية ، هل قبل خروجها من ظهره ، أم بعد خروجها منه؟ والجواب : قال بعضهم إن الظاهر أنه تعالى استخرجهم أحياء ، لأنه سماهم ذرية ، والذرية هم الأحياء لقوله تعالى : (وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ). فيحتمل أن الله تعالى أدخل فيهم الأرواح وهم في ظلمات ظهر أبيهم ، ثم أدخلها مرة أخرى وهم في ظلمات بطون أمهاتهم ، ثم أدخلها مرة ثالثة وهم في ظلمات بطون الأرض ، هكذا جرت سنة الله فسمى ذلك خلقا. الثامن : ما الحكمة في أخذ الميثاق منهم؟ والجواب : أن الحكمة في ذلك ، إقامة الحجة على من لم يوف بذلك. التاسع : هل أعادهم إلى ظهر آدم أحياء ، أم استرد أرواحهم ثم أعادهم إليه أمواتا؟ والجواب أن الظاهر أنه لما ردهم إلى ظهره ، قبض أرواحهم ، قياسا على ما يفعله بهم إذا ردهم إلى الأرض بعد الموت ، فإنه يقبض أرواحهم ويعيدهم فيها. العاشر : أين رجعت الأرواح بعد