(وَاتْلُ) يا محمد (عَلَيْهِمْ) أي اليهود (نَبَأَ) خبر (الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها) خرج بكفره
____________________________________
رد الذرات إلى ظهره؟ والجواب : أن هذه مسألة غامضة ، لا يتطرق إليها النظر العقلي عندي بأكثر من أن يقال : رجعت لما كانت عليه قبل حلولها في الذوات ، فمن رأى في ذلك شيئا فليلحقه بهذا الموضع. الحادي عشر : قوله : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) ، والناس يقولون : إن الذرية أخذت من ظهر آدم؟ والجواب : أنه تعالى أخرج من ظهر آدم بنيه لصلبه ثم أخرج بني بنيه من ظهور بنيه ، فاستغنى عن ذكر إخراج بني آدم من آدم بقوله من بني آدم ، إذ من المعلوم أن بني بنيه لا يخرجون إلا من بنيه ، ومثال ذلك : من أودع جوهرة في صدفة ، ثم أودع الصدفة في خرقة ، ثم أودع الخرقة مع الجوهرة في حقه ، ثم أودع الحقة في درج ، ثم أودع الدرج في صندوق ، فأخرج منه تلك الأشياء بعضها من بعض ، ثم أخرج الجميع من الصندوق ، فهذا لا تناقض فيه. الثاني عشر : في أي مكان أودع كتاب العهد والميثاق؟ والجواب : قد جاء في الحديث ، أنه مودع في باطن الحجر الأسود ، وأن للحجر الأسود عينين وفما ولسانا ، فإن قال قائل : هذا غير متصور في العقل ، فالجواب : أن كل ما عسر على العقل تصوره يكفينا فيه الإيمان به ، ورد معناه إلى الله تعالى ا ه ملخصا.
قوله : (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ) عطف على (واسألهم) عطف قصة على قصة. قوله : (آياتِنا) أي وهي علوم الكتب القديمة ، ومعرفة الاسم الأعظم ، فكان يدعو به حيث شاء فيحصل بعينه ، وكان يرى العرش وهو جالس مكانه ، وكان في مجلس اثنا عشر ألف محبرة للمتعلمين الذين يكتبون عنه ، وحاصل قصته على ما ذكره ابن عباس وغيره ، أن موسى عليهالسلام ، لما قصد قتال الجبارين ، ونزل أرض الكنعانيين من أرض الشام ، أتى بلعم إليه وكان عنده الاسم الاعظم ، فقالوا : إن موسى رجل حديد ومعه جند كثير ، وإنه جاء يخرجنا من بلادنا ويقتلنا ويخليها لبني إسرائيل ، وأنت رجل مجاب الدعوة ، فاخرج فادع الله أن يردهم عنا ، فقال : ويلكم نبي الله ومعه الملائكة والمؤمنون ، فكيف أدعو عليهم وأنا أعلم من الله ما لا تعلمون ، وإني إن فعلت ذهبت دنياي وآخرتي ، فراجعوه وألحوا عليه ، فقال : حتى أؤامر ربي ، وكان لا يدعو حتى ينظر ما يؤمر به في المنام ، فآمر ربه في الدعاء عليهم ، فقيل له في المنام : لا تدع عليهم ، فقال لقومه : إني قد آمرت ربي ، وإني نهيت أن أدعو عليهم ، فأهدوا إليه هدية فقبلها ، وراجعوه فقال : حتى أؤامر ربي ، فآمر فلم يؤمر بشيء ، فقال : قد آمرت ربي فلم يأمرني بشيء ، فقالوا له : ولو كره ربك أن تدعو لنهاك كما نهاك في المرة الأولى ، فلم يزالوا يتضرعون إليه حتى فتنوه فافتتن ، فركب أتانا له متوجها إلى جبل يطلعه على عسكر بني إسرائيل يقال له حسبان ، فلما سار على أتانه غير بعيد ربضت ، فنزل عنها وضربها ، فقامت فركبها ، فلم تسر به كثيرا حتى ربضت فضربها ، وهكذا مرارا ، فأذن الله تعالى لها في الكلام فأنطقها له ، فكلمته حجة عليه فقالت : ويحك يا بلعم أين تذهب؟ أما ترى الملائكة أمامي تردني عن وجهي ، ويحك تذهب إلى نبي الله والمؤمنين فتدعوا عليهم ، فلم ينزجر ، فخلى الله سبيل الأتان ، فانطلقت حتى أشرف على جبل حسبان ، فجعل يدعو عليهم ، فلم يدع بشر إلا صرف الله به لسانه إلى قومه ، ولا يدعو بخير لقومه إلا صرف الله به لسانه إلى بني إسرائيل ، فقال له قومه : يا بلعم أتدري ما تصنع؟ إنما تدعو لهم وتدعو علينا ، فقال : هذا ما لا أملكه ، هذا شيء قد غلب الله عليه ، فاندلع لسانه فوقع على صدره ، فقال لهم : الآن قد ذهب مني الدنيا والآخرة ، ولم يبق إلا المكر والخديعة ،