من الوضوء والغسل والتيمم (وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ) من الأحداث والذنوب (وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ) بالإسلام ببيان شرائع الدين (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (٦) نعمه (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ) بالإسلام (وَمِيثاقَهُ) عهده (الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ) عاهدكم عليه (إِذْ قُلْتُمْ) للنبي صلىاللهعليهوسلم حين بايعتموه (سَمِعْنا وَأَطَعْنا) في كل ما تأمر به وتنهي عما نحب ونكره (وَاتَّقُوا اللهَ) في ميثاقه أن تنقضوه (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) (٧) بما في القلوب فبغيره أولى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ) قائمين (لِلَّهِ) بحقوقه (شُهَداءَ بِالْقِسْطِ) بالعدل (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ) يحملنكم
____________________________________
الخ) جواب من الشافعية والحنفية عن التعارض الواقع بين آية الوضوء وآية التيمم. قوله : (من الوضوء والغسل والتيمم) أي فأوجب ما ذكر عند القدرة عليه ، ووجود الماء أو الصعيد ، فإن فقدا معا سقطت عنه الصلاة ، وقضاؤها على المعتمد عند مالك ، ويصلي ويقضي عند الشافعي. قوله : (من الأحداث والذنوب) أي فإذا تطهر الإنسان فقد خلص من الحدث والذنوب ، لأنه ورد أن الذنوب تتساقط مع غسل الأعضاء. قوله : (بالإسلام) الباء للتعدية ، والجار والمجرور متعلق بنعمة ، فهو أعظم النعم ، لأنه به ينال كل خير.
قوله : (إِذْ قُلْتُمْ) ظرف لقوله : (واثَقَكُمْ بِهِ). قوله : (حين بايعتموه) أي عند العقبة سنة الهجرة ، لما جاءه سبعون من الأنصار ، ورئيسهم إذ ذاك البراء بن معرور ، وكان له اليد البيضاء في الميثاق ، حتى أنه قال : والذي بعثك بالحق ، لنمنعنك مما نمنع منه أزرنا ، فبايعنا يا رسول الله ، فنحن والله أبناء الحرب كابرا عن كابر ، وبايعوه على أن يقاتلوا معه الأسود والأبيض ، وكذلك بيعة الرضوان تحت الشجرة ، حين صده المشركون عن البيت ، أشاع إبليس أن عثمان قتل ، فبايع النبي صلىاللهعليهوسلم الصحابة على عدم الرجوع حتى يقتلوا أو يدخلوا مكة ، وهكذا حمل المفسر على عهد النبي أصحابه ، ويحتمل أن المراد العهد الواقع يوم ألست بربكم ، فيكون المعنى : اذكروا نعمة الله عليكم ، حيث خلقكم على التوحيد في عالم الأرواح ، وجعل عالم الأجساد موافقا له ، فالإيمان نعمة عظيمة لموافقته للإجابة الواقعة يوم ألست بربكم ، وكل صحيح ، لكن إن كان المراد عهد الله الأزلي فالنسبة له ظاهرة ، وإن كان المراد عهد النبي لأصحابه ، فإسناد العهد لله ، لأنه هو المعاهد حقيقة ، قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ) الآية.
قوله : (سَمِعْنا) أي سماع قبول. قوله : (مما نحب) أي بأن كان موافقا لما تهواه نفوسهم ، وقوله : (ونكره) أي بأن لم يكن موافقا ، كالجهاد وأداء الزكاة مثلا. قوله : (بما في القلوب) أي من الإخلاص وغيره ، فذات الصدور صفة لموصوف محذوف تقديره الأمور الخفية صاحبات الصدور التي لا يطلع عليها إلا الله.
قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) الخ شروع في بيان الحقوق الواجبة على العباد ، وهي قسمان : متعلق بالخالق وهو قوله : (قَوَّامِينَ لِلَّهِ) وبالمخلوق وهو قوله : (شُهَداءَ بِالْقِسْطِ) ، وقد تقدمت هذه الآية في النساء ، وكررها اعتناء بشأنها ، فإن مقام القيام بحق الله وحق عباده عظيم ، وهو حقيقة التوفيق ، فليس كل من آمن قام بالحقين ، وقوله قوامين خبر لكونوا ، وشهداء خبر ثان. قوله : (بحقوقه) أي الخاصة به ،