وهي بياض الوجوه للمؤمنين وسوادها للكافرين لرؤيتهم لهم إذ موضعهم عال (وَنادَوْا أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ) قال تعالى (لَمْ يَدْخُلُوها) أي أصحاب الأعراف الجنة (وَهُمْ يَطْمَعُونَ) (٤٦) في دخولها قال الحسن لم يطمعهم إلا لكرامة يريدها بهم ، وروى الحاكم عن حذيفة قال بينما هم كذلك إذ طلع عليهم ربك فقال قوموا ادخلوا الجنة فقد غفرت لكم (وَإِذا صُرِفَتْ أَبْصارُهُمْ) أي أصحاب الأعراف (تِلْقاءَ) جهة (أَصْحابِ النَّارِ قالُوا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا) في النار (مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (٤٧) (وَنادى أَصْحابُ الْأَعْرافِ رِجالاً) من أصحاب النار (يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيماهُمْ قالُوا ما أَغْنى عَنْكُمْ) من النار (جَمْعُكُمْ) المال أو كثرتكم (وَما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ) (٤٨) أي واستكباركم عن الإيمان ويقولون لهم مشيرين إلى ضعفاء المسلمين (أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لا
____________________________________
كانت سيئاته أكثر بواحدة دخل النار ، ومن استوت حسناته وسيئاته كان من أصحاب الأعراف ، فوقفوا على الأعراف ، فإذا نظروا إلى أهل الجنة نادوهم : (سَلامٌ عَلَيْكُمْ) سلام عليكم ، وإذا نظروا إلى أهل النار قالوا : (رَبَّنا لا تَجْعَلْنا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) فهناك يقول الله تعالى : (لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ) فكأن الطمع دخولا.
قوله : (وَنادَوْا) أي أصحاب الأعراف. قوله : (قال تعالى) أشار بذلك إلى أن الوقف على قوله : (عَلَيْكُمْ) وقوله : (لَمْ يَدْخُلُوها) كلام مستأنف جواب عن سؤال مقدر ، كأن قائلا قال : وما صنع بأهل الأعراف؟ فأجيب بأنهم لم يدخلوها. قوله : (إذ طلع عليهم ربك) أي أزال عنهم الحجب حتى رأوه وسمعوا كلامه. قوله : (فقال قوموا ادخلوا الجنة) أي فينطلق بهم إلى نهر الحياة ، حافتاه قضب الذهب مكلل باللؤلؤ ، ترابه المسك فيلفوا فيه ، فتصلح ألوانهم وتبدو في نحورهم شامة بيضاء يعرفون بها ، يسمون مساكين أهل الجنة.
قوله : (وَإِذا صُرِفَتْ أَبْصارُهُمْ) عبر بالصرف دون النظر ، إشارة إلى أن نظرهم إلى أهل النار غير مقصود ، لأن رؤية العذاب وأهله تسيء للناظرين ، بخلاف النظر للنعيم وأهله ، ففيه مسرة للناظرين ، فلذا لم يعبر في جانبه بالصرف بل قيل : (وَنادَوْا أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ). قوله : (تِلْقاءَ) بالمد والقصر قراءتان سبعيتان ، وهي ظرف مكان بمعنى جهة ، ويستعمل مصدرا كالتبيان ، ولم يجىء من المصادر على التفعال بالكسر غير التلقاء والتبيان والزلزال ، وبعضهم ألحق التكرار بذلك. قوله : (في النار) أي لا ابتداء مع العصاة ، ولا دواما مع الكفار. قوله : (رِجالاً) أي كانوا عظماء في الدنيا ، كأبي جهل ، والوليد ابن المغيرة ، وعقبة بن أبي معيط ، وأضرابهم. قوله : (بِسِيماهُمْ) أي علامتهم ، وتقدم أنها سواد الوجه للكفار.
قوله : (ما أَغْنى عَنْكُمْ) يحتمل أن ما استفهامية ، أي : أي شيء أغنى عنكم جمعكم ، ويحتمل أنها نافية ، أي لم يغن عنكم جمعكم ولا استكباركم شيئا من عذاب الله. قوله : (المال) أشار بذلك إلى أن جمع مصدر مضاف لفاعله ، ومفعوله محذوف قدره بقوله المال ، وقوله : (أو كثرتكم) إشارة لتفسير ثان لجمعكم ، فيكون معناه جماعتكم. قوله : (أي واستكباركم) سبك المصدر بما بعد كان جريا على قول من