يضلوك (عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا) عن الحكم المنزل وأرادوا غيره (فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ) بالعقوبة في الدنيا (بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ) التي أتوها ومنها التولي ويجازيهم على جميعها في الأخرى (وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفاسِقُونَ) (٤٩) (أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ) بالياء والتاء يطلبون من المداهنة والميل إذا تولوا استفهام إنكاري (وَمَنْ) أي لا أحد (أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً لِقَوْمٍ) عند قوم (يُوقِنُونَ) (٥٠) به خصوا بالذكر لأنهم الذين يتدبرونه (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ) توالونهم وتوادونهم (بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) لاتحادهم في الكفر (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ) من جملتهم (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (٥١) بموالاتهم الكفار
____________________________________
قوله : (بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ) أي لا بجميعها ، فعقابهم في الدنيا بالقتل والسبي والجلاء ، إنما هو ببعض ذنوبهم ، وأما في الآخرة فيجازيهم على الجميع كما قال المفسر ، لأن العذاب المنقضي وإن طال لا يكفي جزاء لذنوب الكافر جميعها ، كما أن نعيم الدنيا وإن كثر ليس جزاء لأعمال المؤمن الصالحة ، وإن عذب في الدنيا بمرض أو غيره ، فهو جزاء لأعمال المؤمن السيئة ، والنعيم في الدنيا للكافر قد يكون جزاء لما عمل من الصالحات كالصدقات مثلا. قوله : (ومنها التولي) أي الإعراض عن حكمه صلىاللهعليهوسلم.
قوله : (وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفاسِقُونَ) أي خارجون عن دائرة الحق ، وتقدم أن بعث النار من كل ألف واحد ناج ، والباقي خارج عن حدود الله ، والمعنى تسل يا محمد فإن الغالب في الناس الفسق ، فلا خصوصية لليهود بذلك. قوله : (أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ) الهمزة داخلة على محذوف ، والفاء عاطفة على ذلك المحذوف ، والتقدير أيتولون عنك فيبتغون حكم الجاهلية ، فحكم مفعول ليبغون. قوله : (بالياء والتاء) أي فهما قراءتان سبعيتان. قوله : (استفهام إنكاري) أي فهو بمعنى النفي ، والمعنى لا يبغون حكم الجاهلية منك على سبيل الظفر به لعصمتك. قوله : (أي لا أحد) أشار بذلك إلى أن الاستفهام إنكاري بمعنى النفي ، والآية كالدليل لما قبلها. قوله : (عند قوم) أشار بذلك إلى أن اللام بمعنى عند. قوله : «به» قدره إشارة إلى أن مفعول يوقنون محذوف ، والضمير عائد على حكم الله.
قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا) الخ ، النهي لكل من أظهر الإيمان وإن كان في الباطن خاليا من الإيمان ، وسبب نزولها أن عبادة بن الصامت رضي الله عنه وعبد الله بن أبي سلول رأس المنافقين اختصما فقال عبادة إن لي أولياء من اليهود كثيرا عددهم ، شديدة شوكتهم ، وإني أبرأ إلى الله وإلى رسوله من ولاية اليهود ولا مولى لي إلا الله ورسوله ، فقال عبد الله بن أبي إني لا أبرأ من ولاية اليهود ، فإني أخاف الدوائر ولا بد لي منهم ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «يا أبا الحباب ما نفست به من ولاية اليهود على عبادة بن الصامت هو لك دونه» ، فقال إذا أقبل فنزلت ، واتخذ ينصب مفعولين : اليهود والنصارى مفعول أول ، وأولياء مفعول ثان. قوله : (بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) جملة مستأنفة ، والمعنى بعض كل فريق أولياء البعض الآخر من ذلك الفريق ، لأن بين اليهود والنصارى العداوة الكبرى. قوله : (فَإِنَّهُ مِنْهُمْ) أي لأنه لا يوالي أحد أحدا إلا وهو عنه راض ، فإذا رضي عنه وعن دينه صار من أهل ملته ، وأما معاملتهم مع كراهتهم فلا ضرر في ذلك.