مُوسى وَعِيسى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ) بالتصديق والتكذيب (وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) (٨٤) مخلصون في العبادة ، ونزل فيمن ارتد ولحق بالكفار (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ) (٨٥) لمصيره إلى النار مؤبدة عليه (كَيْفَ) أي لا (يَهْدِي اللهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ وَشَهِدُوا) أي وشهادتهم (أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَ) قد (جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ) الحجج الظاهرات على صدق النبي (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (٨٦) أي الكافرين (أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) (٨٧) (خالِدِينَ فِيها) أي اللعنة أو النار المدلول بها عليها (لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ) (٨٨) يمهلون (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا
____________________________________
بمعنى أولاد بنيه لا بالمعنى المصطلح عليه وهو أولاد البنت.
قوله : (وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى) أي من التوراة والإنجيل ومعجزاتهما ، قوله : (وَالنَّبِيُّونَ) عطف عام على خاص ، فيجب الإيمان بالنبيين عموما إجمالا في الإجمالي ، وتفصيلا في التفصيلي ، فيجب الإيمان تفصيلا بخمسة وعشرين نبيا ثمانية عشر في الأنعام ، ومحمد وآدم وهود وصالح وشعيب وإدريس وذو الكفل ، من أنكر أي واحد منهم بعد علمه فقد كفر ، ويجب الإيمان الإجمالي بما عدا هؤلاء ، ولا يعلم عدتهم إلا الله. قوله : (بالتصديق والتكذيب) أي بالتصديق لبعض والتكذيب للبعض الآخر ، كما فعلت اليهود والنصارى. قوله : (مخلصون في العبادة) أشار بذلك إلى أن المراد بالإسلام هنا حقيقته وهو الانقياد الظاهري. قوله : (فيمن ارتد) أي وهم اثنا عشر أسلموا بالمدينة ، ولحقوا بأهل الكفر في مكة ، منهم الحرث بن سويد الأنصاري ولكنه أسلم بعد ذلك.
قوله : (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ) أعلم أن جمهور السبعة على الفك لوجود الفاصل الحكمي وهو الياء التي حذفها الجازم ، لأن المحذوف لعله كالثابت ، وقرأ أبو عمرو في أحد وجهيه بالإدغام نظرا للصورة الظاهرية ، ونظيره في القرآن كل مثلين بينهما فاصل حكمي ففيه الوجهان نحو (يخل لكم وجه أبيكم) (وإن يك كاذبا) ومن اسم شرط ، ويبتغ فعله ، وغير مفعول ، ودينا تمييز لغير أو بدل منه أو مفعول وغير حال لأنه نعت نكرة قدم عليها. قوله : (فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ) أي ولا يقر عليه قوله : (كَيْفَ) استفهام إنكاري بمعنى النفي كما يشير له المفسر بقوله : (أي) (يَهْدِي) وقيل إنه استبعادي أي فهداهم مستبعد ، قال العارف البوصيري :
وإذا البينات لم تغن شيئا |
|
فالتماس الهدى بهن عناء |
قوله : (أي وشهادتهم) أشار بذلك إلى أن الفعل مؤول باسم الذي هو الإيمان. قوله : (وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) أي حتى أهل النار في النار ، قال تعالى : (كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها). قوله : (أي اللعنة) أي ومن لوازمها الخلود في النار ، قوله : (المدلول بها) أي اللعنة ، وقوله : (عليها) أي على النار ، قوله : (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا) أي كالحرث بن سويد فإنه لما ارتد وذهب لمكة مع المفار وأراد الله له الهدى بعث لأخ له في المدينة وكان مسلما يقول له أخبر رسول الله صلىاللهعليهوسلم أني إذا اتيت هل أقبل ، فأخبر رسول الله بذلك فنزلت هذه الآية ، فبعثها له بمكة فأتى طائعا وأسلم وحسن إسلامه ، وهذا شروع في تقسيم الكفار إلى ثلاثة أقسام : قسم منهم كفر ولم يعد ، وقسم كفر ثم عاد للإسلام ظاهرا فقط ، وقسم كفر ثم أسلم ظاهرا وباطنا ،