(منْ رَبِّهِمْ) لما في كتبهم من نعت النبي صلىاللهعليهوسلم من أنه يتحول إليها (وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) (١٤٤) بالتاء أيها المؤمنون من امتثال أمره وبالياء أي اليهود من إنكار أمر القبلة (وَلَئِنْ) لام قسم (أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ) على صدقك في أمر القبلة (ما تَبِعُوا) أي يتبعون (قِبْلَتَكَ) عنادا (وَما أَنْتَ بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ) قطع لطمعه في إسلامهم وطمعهم في عوده إليها (وَما بَعْضُهُمْ بِتابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ) أي اليهود قبلة النصارى وبالعكس (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ) التي يدعونك إليها (مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ) الوحي (إِنَّكَ إِذاً) إن اتبعتهم فرضا (لَمِنَ الظَّالِمِينَ) (١٤٥) (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ) أي محمدا (كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ) بنعته في كتبهم ، قال ابن سلام لقد عرفته حين رأيته كما أعرف ابني ومعرفتي لمحمد أشد (وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَ) نعته (وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (١٤٦) هذا الّذي أنت عليه (الْحَقُ) كائن (مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ) (١٤٧) الشاكين فيه أي من هذا النوع فهو أبلغ من لا تمتر
____________________________________
عائد على النبي أو النسخ ، لأن كلا مذكور في الآية والمآل واحد قوله : (أيها المؤمنون) أي وفيه وعيد وزجر وتهديد وهما قراءتان سبعيتان. قوله : (ولئن أتيت) هذا أيضا تسلية للنبي وتيؤس من إيمانهم ، لأنهم ضلوا على علم فلا تنفع فيهم موعظة :
وإذا ضلت العقول على عل |
|
م فماذا تقوله النصحاء |
قوله : (لام قسم) أي وإن حرف شرط وقوله أتيت فعل الشرط وقوله ما تبعوا جواب القسم ، وأما جواب الشرط فهو محذوف للقاعدة النحوية أنه إذا اجتمع شرط وقسم فإنه يحذف جواب المتأخر منهما ، وأيضا قوله ما تبعوا لا يصلح أن يكون جوابا للشرط لأنه فعل منفي بما فحقه دخول الفاء فيه. قوله : (قطع لطمعه في إسلامهم) راجع لقوله ما تبعوا قبلتك ، وقوله : (وطمعهم إلخ) راجع لقوله وما أنت بتابع قبلتهم ، فهو لف ونشر مرتب. إن قلت كيف يطمعون في عوده لبيت المقدس مع أنه مذكور في كتبهم أنه لا يرجع عن الكعبة بعد أن تحول إليها ، قلت إن ذلك الطمع واقع من جهلتهم الذين لا يعرفون في التوراة شيئا. قوله : (أي اليهود قبلة النصارى) هذا مما يؤيد أن المراد بالذين أوتوا الكتاب اليهود والنصارى ، وقبلة اليهود بيت المقدس ، وقبلة النصارى مطلع الشمس. وكانت باختراع منهم لزعم بولس القسيس أنه بعد رفع عيسى قال لقيت عيسى عليهالسلام فقال لي إن الشمس كوكب أحبه يبلغ سلامي في كل يوم فمر قومي ليتوجهوا إليها في صلاتهم ففعلوا ذلك. قوله : (إن اتبعتهم فرضا) أي على سبيل الفرض والتقدير على حد لئن أشركت ليحبطن عملك ، وقيل الخطاب له والمراد غيره لمزيد الزجر.
قوله : (كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ) ما مصدرية تسبح مع ما بعدها بمصدر أي كمعرفتهم ابنائهم ، والمشبه أقوى من المشبه به ، قوله : (ومعرفتي لمحمد أشد) سئل عن ذلك فقال لأن معرفتي بابني ظنية لأنه يحتمل أن يكون من غيره ، وأما معرفتي بمحمد فهي عن الله ، وأي خبر أصدق خبر الله؟ قوله : (كائنا) أشار بذلك إلى أن قوله من ربك متعلق بمحذوف حال من الحق وهو خير لمبتدأ محذوف ، والأظهر أن مبتدأ خبره والجار والمجرور بعده أو مبتدأ والخبر محذوف تقديره يعرفونه وأل يحتمل أنها للعهد الذكري أو الجنس أو الاستغراق ، قوله : (الشاكين فيه) أي في كونهم يعرفون نعتك أو في الحق ، قوله : (فهو أبلغ من لا تمتر)