حاوياء أو حاوية (أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ) منه هو شحم الألية فإنه أحل لهم (ذلِكَ) التحريم (جَزَيْناهُمْ) به (بِبَغْيِهِمْ) بسبب ظلمهم بما سبق في سورة النساء (وَإِنَّا لَصادِقُونَ) (١٤٦) في إخبارنا ومواعيدنا (فَإِنْ كَذَّبُوكَ) فيما جئت به (فَقُلْ) لهم (رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ) حيث لم يعاجلكم بالعقوبة وفيه تلطف بدعائهم إلى الإيمان (وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ) عذابه إذا جاء (عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) (١٤٧) (سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا) نحن (وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ) فإشراكنا وتحريمنا بمشيئته فهو راض به قال تعالى (كَذلِكَ) كما كذب هؤلاء (كَذَّبَ الَّذِينَ
____________________________________
المصارين ، والمعنى أن الشحم الذي تعلق بالظهور ، أو احتوت عليه المصارين ، أو اختلط بعظم كلحم الألية جائز لهم. قوله : (جمع حاوياء) أي كقاصعاء وقواصع ، وقوله : (أو حاوية) أي كزاوية وزوايا ، وقيل جمع حوية كهدية. قوله : (وهو شحم الألية) بفتح الهمزة. قوله : (بما سبق في سورة النساء) أي في قوله : (فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآياتِ اللهِ) إلى أن قال : (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ). قوله : (في إخبارنا ومواعيدنا) أي بأن سبب ذلك التحريم هو بغيهم ، لا كما قالوا حرمها إسرائيل على نفسه فنحن مقتدون به ، فقد كذبوا في ذلك ، بل لم يطرأ التحريم إلا بعد موسى ، ولم يكن ذلك محرما على أحد قبلهم ، لا في شرع إبراهيم ولا غيره ، وإنما حرم إسرائيل على نفسه بالخصوص الإبل من أجل شفائه من عرق النساء الذي كان به ، وقد تقدم الرد عليهم أيضا في قوله تعالى : (كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرائِيلَ). قوله : (حيث لم يعاجلكم بالعقوبة) أي فإمهاله للكافر من سعة رحمته ، فإذا تاب خلده في الرحمة. قوله : (وفيه تلطف الخ) دفع ذلك ما يقال : إن مقتضى الظاهر فقل ربكم ذو عقاب شديد ، فأجاب : بأنه تلطف بدعائهم إلى الإيمان ليطمع النائب ولا ييأس.
قوله : (وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ) هذا من جملة المقول أيضا ، والمعنى لا يرد عذابه عمن لم يتب ومات على الكفر ، فأطمعهم في الرحمة بالجملة الأولى ، وبقي الاغترار بالجملة الثانية. قوله : (سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا) هذا اخبار من الله لنبيه بما يقع منهم في المستقبل ، وقد وقع كما حكاه الله عنهم في سورة النحل بقوله تعالى : (وَقالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللهُ ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ) الخ ، وإنما قالوه إظهارا لكونهم على الحق ، لا اعتذارا من ارتكاب هذه القبائح ، مدعين أن المشيئة لازمة للرضا ، فلا يشاء إلا ما يرضاه ، وقد وقع الكفر بمشيئته فهو راض به ، فكيف تقول يا محمد إنا نعذب على شيء أراده الله منا ورضيه؟ وحاصل رد تلك الشبه ، أن تقول لا يلزم من المشيئة الرضا ، بل يشاء القبيح ولا يرضاه ، ويشاء الحسن ويرضاه ، فكل شيء بمشيئته تعالى.
قوله : (لَوْ شاءَ اللهُ) أي عدم إشراكنا ، فمفعول المشيئة محذوف ، وهذه المقدمة صادقة ، لكنهم توصلوا بها إلى مقدمة كاذبة قدرها المفسر بقوله : (فهو راض به) قوله : (وَلا آباؤُنا) معطوف على الضمير في إشراكنا ، والفاصل موجود وهو لا النافية ، وتقدير المفسر نحن بيان للضمير في إشراكنا لا لصحة العطف ، إذ يكفي أي فاصل ، قال ابن مالك :
وإن على ضمير رفع متصل |
|
عطف فافصل بالضمير المنفصل |
أو فاصل ما. قوله : (فهو راض به) هذا هو نتيجة قولهم : (لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا). قوله : (قال