الدين والشريعة قال تعالى (أَ) حسبهم ذلك (وَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ) (١٠٤) إلى الحق والاستفهام للأنكار (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ) أي احفظوها وقوموا بصلاحها (لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ) قيل المراد لا يضركم من ضل من أهل الكتاب وقيل المراد غيرهم لحديث أبي ثعلبه الخشني سألت عنها رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال ائتمروا
____________________________________
قوله : (قالُوا حَسْبُنا ما وَجَدْنا) حسبنا مبتدأ وما وجدناه خبره. قوله : (أَ) (حسبهم ذلك) (وَلَوْ كانَ) الخ الواو في ولو للحال ، وهمزة الإنكار الواقعة قبلها داخلة على محذوف قدره المفسر والمعنى أكافيهم دين آبائهم ولو كانوا الخ ، ويصح أن تكون للعطف على جملة شرطية مقدرة قبلها ، والتقدير أيقولون ذلك ولو كان آباؤهم يعلمون شيئا ويهتدون ، بل ولو كانوا لا يعلمون الخ ، نظير أحسن إلى فلان وإن أساء إليك ، أي أحسن إليه في حال عدم إساءته ، بل ولو في حال إساءته. قوله : (لا يَعْلَمُونَ شَيْئاً) عبر هنا بيعملون ، وفي البقرة بيعقلون ، وقال هنا ما وجدنا ، وهناك ما ألفينا تفننا. قوله : (للإنكار) أي والتوبيخ.
قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ) قيل إنه مرتبط بما قبله فيكون قوله لا يضركم من ضل يعني من أهل الكتاب ، والمعنى أن الله كلفنا بقتال الكفار حتى يسلموا أو يؤيدوا الجزية ، فإذا أدوها كففنا أنفسنا عنهم ولا يضرنا كفرهم ، وقيل مستأنفة نزلت في العصاة ، فالمعنى عليك بحفظ نفسك ولا تتعرض لغيرك ، فلا يضرك ضلال من ضل. إن قلت : إن هذا يوهم أن المدار على هدى الإنسان في نفسه ، ولا يلزمه الأمر بالمعروف ولا النهي عن المنكر ، وهو خلاف النصوص الشرعية من الآيات والأحاديث النبوية. وأجيب : يحمل ذلك على من عجز عن ذلك ، وإلى هذين القولين أشار المفسر فيما يأتي بقوله قيل المراد الخ ، وفي الحقيقة المراد ما هو أعم ، فإذا امتثل العبد ما أمره الله به وترك ما نهاه عنه فلا يضره مخالفة من خالف.
قوله : (عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ) بنصب أنفسكم على الإغراء ، لأن عليكم اسم فعل بمعنى الزموا ، والفاعل مستتر وجوبا تقديره أنتم ، والمعنى الزموا حفظ أنفسكم وهدايتها ووقايتها من النار ، والكاف في عليكم ونظيره من أسماء الأفعال كإليك ولديك ، قيل في محل جر بعلى بحسب الأصل ، وقيل في محل نصب ولا وجه له ، وقيل في محل رفع توكيد للضمير المستتر ، وذهب ابن بأبشاذ إلى أنها حرف خطاب ، وقرىء شذوذا برفع أنفسكم ، وخرجت على أحد وجهين : الأول كونها مبتدأ وعليكم خبر مقدم ، والمعنى على الإغراء على كل حال ، فإن الإغراء جاء بالجملة الابتدائية ، ومنه قراءة بعضهم (ناقَةَ اللهِ وَسُقْياها). والرفع الثاني أنه توكيد للضمير المستتر في عليكم وإن كان خلاف القياس ، لأن القياس لا يؤكد بالنفس الضمير المتصل إلا بعد الضمير المنفصل لقول ابن مالك :
وإن تؤكّد الضّمير المتّصل |
|
بالنّفس والعين فبعد المنفصل |
قوله : (وقيل المراد غيرهم) أي غير أهل الكتاب من العصاة ، ليس فيها دليل على ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، إذ قد ورد أن الصديق قال يوما على المنبر : يا أيها الناس ، إنكم تقرؤون هذه الآية ، وتضعونها في غير موضعها ، ولا تدرون ما هي ، وإني سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «إن الناس إذا