شَيْءٍ قَدِيرٌ) (١٧) ومنه مسك به ولا يقدر على رده عنك غيره (وَهُوَ الْقاهِرُ) القادر الذي لا يعجزه شيء مستعليا (فَوْقَ عِبادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ) في خلقه (الْخَبِيرُ) (١٨) ببواطنهم كظواهرهم. ونزل لما قالوا للنبي صلىاللهعليهوسلم إيتنا بما يشهد لك بالنبوة فإن أهل الكتاب أنكروك (قُلْ) لهم (أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً) تمييز محول عن المبتدأ (قُلِ اللهُ) إن لم يقولوه لا جواب غيره هو (شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) على صدقي (وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ) أخوفكم يا أهل مكة (بِهِ وَمَنْ بَلَغَ) عطف على ضمير أنذركم أي بلغه القرآن من الإنس والجن (أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللهِ آلِهَةً أُخْرى)
____________________________________
وخبرها محذوف تقديره أحد. قوله : (إِلَّا هُوَ) إلا أداة حصر وهو بدل من الضمير المستتر. قوله : (وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ) جواب الشرط محذوف تقديره فلا راد لفضله ، كما في آية يونس وإن يردك بخير فلا راد لفضله.
قوله : (فَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) دليل لكل من الجملتين. قوله : (ومنه مسك به) أي من النبوة وغيرها. قوله : (مستعليا) أشار بذلك إلى أن قوله (فَوْقَ عِبادِهِ) ظرف متعلق بمحذوف حال من القاهر. قوله : (فَوْقَ عِبادِهِ) أي فوقية مكانة لا مكان ، والمعنى أن صفاته فوق صفات غيره ، لأن أوصافه كمالية ، وأوصاف غيره ناقصة ، فوصفه العز والعلم والاقتدار ، ووصف غيره الذل والجهل والعجز ، فكل وصف شريف كامل فهو لله ، وكل وصف خسيس ناقص فهو لغيره. قوله : (وَهُوَ الْحَكِيمُ) (في خلقه) أي يضع الشيء في محله. قوله : (الْخَبِيرُ) أي فيعامل كل شخص بما يليق به. قوله : (ونزل لما قالوا) أي أهل مكة ، فقالوا يا محمد ارنا من يشهد لك بالرسالة ، فإننا سألنا اليهود والنصارى عنك فزعموا أنه ليس لك عندهم ذكر. قوله : (إيتنا) بقلب الهمزة الثانية ياء ، قال ابن مالك :
ومدا ابدل ثاني الهمزين من |
|
كلمة إن يسكن كآثر وائتمن |
قوله : (تمييز محول عن المبتدأ) أي والأصل شهادة أي شيء ما أكبر ، فحذف المضاف ، وأقيم المضاف إليه مقامه ، وجعل مبتدأ وجعل المضاف تمييزا. قوله : (قُلِ اللهُ) مبتدأ خبره محذوف أي أكبر شهادة. وقوله : (شَهِيدٌ) خبر لمحذوف قدره المفسر فالكلام جملتان ، ويحتمل أن الله مبتدأ خبره شهيد ، فالكلام جملة واحدة. قوله : (شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) المراد بشهادة الله إظهار المعجزات على يده ، فإن المعجزات منزلة منزلة قول الله صدق عبدي في كل ما يبلغ عني.
قوله : (وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ) هذا دليل لشهادة الله ، والمعنى أن الله شهيد ، لأن القرآن ناطق بالحجج القاطعة ، وهو من عنده فلا يرد كيف اكتفى منه عليه الصلاة والسّلام بقوله الله شهيد ، مع أن ذلك لا يكفي من غيره والاقتصار على الانذار لأن الكلام مع الكفار ، وبنى اوحي للمجهول للعلم بفاعله. قوله : (عطف على ضمير أنذركم) أي (وَمَنْ) موصولة ، و (بَلَغَ) صلتها ، والتقدير وأنذر الذي بلغه القرآن. (من الانس والجن) أي إلى يوم القيامة ، وفيه دلالة على عموم رسالته ، واستمرارها من غير ناسخ إلى يوم القيامة.