الذين سألوا الرؤية وأخذتهم الصاعقة (قالَ) موسى (رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ) أي قبل خروجي بهم ليعاين بنو إسرائيل ذلك ولا يتهموني (وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا) استفهام استعطاف أي لا تعذبنا بذنب غيرنا (إِنْ) ما (هِيَ) أي الفتنة التي وقعت فيها السفهاء (إِلَّا فِتْنَتُكَ) ابتلاؤك (تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ) إضلاله (وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ) هدايته (أَنْتَ وَلِيُّنا) متولي أمورنا (فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغافِرِينَ) (١٥٥) (وَاكْتُبْ) أوجب (لَنا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ) حسنة (إِنَّا هُدْنا) تبنا (إِلَيْكَ قالَ) تعالى (عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ) تعذيبه (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ) عمت (كُلَّ شَيْءٍ) في الدنيا (فَسَأَكْتُبُها) في الآخرة (لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ) (١٥٦) (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَ) محمدا صلىاللهعليهوسلم
____________________________________
عليه ، وإلى هذا القول يشير المفسر بقوله : (قال وهم غير الذين سألوا الرؤية) الخ. قوله : (ولم يزايلوا) أي لم يفارقوا قومهم. قوله : (وهم غير الذين سألوا الرؤية) أي لأنهم لم يكونوا في ذلك الميعاد ، بل كانوا مع موسى حين أخذ التوراة ، فلما سمعوا كلام الله لموسى أقبلوا عليه وقالوا : أرنا الله جهرة فأخذتهم الصاعقة.
قوله : (لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ) مفعول المشيئة محذوف تقديره إهلاكهم. قوله : (استفهام استعطاف) أي طلب العفو والرحمة من الله. قوله : (ابتلاؤك) أي اختبارك ليتبين المطيع من العاصي. قوله : (وَأَنْتَ خَيْرُ الْغافِرِينَ) اسم التفضيل ليس على بابه أو على بابه باعتبار أن الغفر ينسب لغيره تعالى لكونه سببا ، وهو الغافر الحقيقي.
قوله : (وَاكْتُبْ) أي حقق وأثبت ، وهذا من جملة دعاء موسى ، فأوله : (أَنْتَ وَلِيُّنا) وآخره : (إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ) ، وحينئذ فلا ينبغي جعل قوله : (وَاكْتُبْ لَنا) أول الربع. قوله : (فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً) أي ما تحمد عاقبته ، كالعافية والإيمان والمعرفة ، وقوله : (وَفِي الْآخِرَةِ) (حسنة) أي وهي الجنة ، وما احتوت عليه من اللقاء والمشاهدة. قوله : (إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ) استئناف مسوق لتعليل الدعاء ، أي لأننا (هُدْنا إِلَيْكَ) أي رجعنا ، من هاد يهود ، إذا رجع ، ولذلك سميت اليهود بذلك ، وكان اسم مدح قبل نسخ شريعتهم ، وبعد ذلك صار ذما. قوله : (قالَ عَذابِي) جواب من الله لموسى. قوله : (أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ) أي في الدنيا ، كقتل الذين عبدوا العجل أنفسهم ، وفي الآخرة بالنار لمن كفر.
قوله : (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) ورد أنه لما نزلت هذه الآية ، فرح إبليس وقال : قد دخلت في رحمة الله ، فلما نزل (فَسَأَكْتُبُها) الخ أيس من ذلك ، وفرحت اليهود وقالوا : نحن من المتقين الذين يؤتون الزكاة المؤمنين ، فأخرجهم الله منها وأثبتها لهذه الأمة بقوله : (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ) الخ. قوله : (في الدنيا) أي فما من مسلم ولا كافر ولا مطيع ولا عاص إلا وهو منقلب في الرحمة. قوله : (فَسَأَكْتُبُها) أي أثبتها. قوله : (لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ) أي يمتثلون الأوامر ويجتنبون النواهي. قوله : (وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ) خصها بالذكر لمشتقها على النفوس ، من حيث إن المال محبوب.
قوله : (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ) أي بالإيمان به بعد بعثته ، والعمل بشريعته ، ورد أن الله قال