بدل لحما ودما (لَهُ خُوارٌ) أي صوت يسمع انقلب كذلك بوضع التراب الذي أخذه من حافر فرس جبريل في فمه فإن أثره الحياة فيما يوضع فيه ومفعول اتخذ الثاني محذوف أي إلها (أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً) فكيف يتخذ إلها (اتَّخَذُوهُ) إلها (وَكانُوا ظالِمِينَ) (١٤٨) باتخاذه (وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ) أي ندموا على عبادته (وَرَأَوْا) علموا (أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا) بها وذلك بعد رجوع موسى (قالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنا رَبُّنا وَيَغْفِرْ لَنا) بالياء والتاء فيهما (لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) (١٤٩) (وَلَمَّا رَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ) من جهتهم (أَسِفاً) شديد الحزن (قالَ) لهم (بِئْسَما) أي بئس خلافة (خَلَفْتُمُونِي) ها (مِنْ بَعْدِي) خلافتكم هذه حيث أشركتم (أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ
____________________________________
فإن هذا دليل على أن السعادة والشقاوة بيد الله ، فقد قال بعضهم :
إذا المرء لم يخلق سعيدا من الأزل |
|
فقد خاب من ربى وخاب المؤمل |
فموسى الذي رباه جبريل كافر |
|
وموسى الذي رباه فرعون مرسل |
قوله : (بدل) أي من (عِجْلاً) أو عطف بيان. (لحما ودما) تفسيرا لجسدا. قوله : (لَهُ خُوارٌ) هذه قراءة العامة ، وقرىء شذوذا له جؤار بجيم فهمزة ، وهو الصوت الشديد. قوله : (فإن أثره الحياة) أي بتأثير الله له. قوله : (أَلَمْ يَرَوْا) استفهام توبيخ وتقريع. قوله : (اتَّخَذُوهُ) كرره لمزيد التشنيع عليهم. قوله : (وَكانُوا ظالِمِينَ) أي أنفسهم أشد الظلم ، حيث عبدوا غير الله. قوله : (وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ) فعل مبني للمجهول ، والجار والمجرور نائب فاعل ، وقرىء شذوذا بالبناء للفاعل ، فالفاعل ضمير يعود على الندم ، وقرىء شذوذا أيضا ، أسقط بضم الهمزة ، والضمير عائد على الندم ، والأصل على القراءة السبعية ، سقطت أفواههم على أيديهم ، ففي بمعنى على ، وذلك من شدة الندم ، فإن العادة أن الإنسان إذا ندم على شيء عض بفمه على يده ، فسقوط الفم على اليد لازم للندم ، فأطلق اللازم ، وأريد الملزوم على سبيل الكناية ، ولم تعرف هذه الكناية في لغة العرب إلا في القرآن.
قوله : (وَرَأَوْا) الجملة حالية. قوله : (وذلك) أي الندم. قوله : (بعد رجوع موسى) أي وإنما قدم ليتصل ما قالوه بما فعلوه. قوله : (لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنا رَبُّنا) الخ فيها قراءتان سبعيتان بالياء والتاء ، فعلى قراءة الياء يكون ربنا مرفوعا على الفاعلية ، وعلى قراءة التاء يكون منصوبا على النداء. قوله : (وَلَمَّا رَجَعَ مُوسى) أي من المناجاة. قوله : (غَضْبانَ) أي لما فعلوه من عبادة العجل ، وقد أخبره بذلك المولى حيث قال له كما في طه : (فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ) الآية. قوله : (أَسِفاً) حال وكذا (غَضْبانَ) فتكون حالا متداخلة.
قوله : (بِئْسَما خَلَفْتُمُونِي) بفعل ماض لإنشاء الذم ، وما تمييز وقيل فاعل ، وجملة (خَلَفْتُمُونِي) صفة لما ، والمخصوص بالذم محذوف قدره المفسر بقوله خلافتكم هذه ، والمعنى : بئس خلافة خلفتمونيها خلافتكم هذه. قوله : (مِنْ بَعْدِي) متعلق بخلفتموني. قوله : (أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ) أي تركتموه غير تام على تضمين عجل معنى سبق ، أو المعنى : أعجلتم وعد ربكم الذي وعدنيه من الأربعين ، وقدرتم