منها (وَتُخْفُونَ كَثِيراً) مما فيها كنعت محمد صلىاللهعليهوسلم (وَعُلِّمْتُمْ) أيها اليهود في القرآن (ما لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آباؤُكُمْ) من التوراة ببيان ما التبس عليكم واختلفتم فيه (قُلِ اللهُ) أنزله إن لم يقولوه لا جواب غيره (ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ) باطلهم (يَلْعَبُونَ) (٩١) (وَهذا) القرآن (كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ) قبله من الكتب (وَلِتُنْذِرَ) بالتاء والياء عطف على معنى ما قبله أي أنزلناه للبركة والتصديق ولتنذر به (أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها) أي أهل مكة وسائر الناس (وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ) (٩٢) خوفا من عقابها (وَمَنْ) أي لا أحد
____________________________________
ليتمكنوا من إخفاء ما أرادوا إخفاءه. قوله : (وَتُخْفُونَ كَثِيراً) أي لم يظهروه ، بمعنى لم يكتبوه أصلا أو كتبوه وأخفوه عن ملوكهم وسفلتهم ، وجعلوا ذلك سرا بينهم. قوله : (كنعت محمد) أي وكآية الرجم ، وآية إن الله يبغض الحبر السمين.
قوله : (وَعُلِّمْتُمْ) يحتمل أن الخطاب لليهود كما قال المفسر ، وتكون الجملة حالية ، والمعنى تبدونها وتخفون كثيرا. والحال أن محمدا أعلمكم في القرآن بأشياء في التوراة ، ما لم تكونوا تعلموها أنتم ولا آباؤكم ، ويحتمل أن الخطاب لقريش ، وتكون الجملة مستأنفة معترضة بين السؤال والجواب. قوله : (قُلِ اللهُ) يحتمل أنه مبتدأ خبره محذوف تقديره أنزله ، وعليه درج المفسر وهو الأولى ، لأن السؤال جملة اسمية ، فيكون الجواب كذلك ، ويحتمل أنه فاعل بفعل محذوف تقديره أنزله الله ، وقد صرح بالفعل في قوله تعالى : (لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ). قوله : (فِي خَوْضِهِمْ) إما متعلق بذرهم أو بيلعبون ، ومعنى يلعبون يستهزؤون ويسخرون.
قوله : (وَهذا كِتابٌ) مبتدأ وخبر ، و (أَنْزَلْناهُ) صفة أولى ، و (مُبارَكٌ) صفة ثانية ، و (مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ) صفة ثالثة. قوله : (القرآن) لغة من القرء وهو الجمع ، واصطلاحا اللفظ المنزل على رسول الله صلىاللهعليهوسلم للإعجاز بأقصر سورة منه المتعبد بتلاوته ، وهذا رد عليهم حيث قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء. قوله : (مُبارَكٌ) أي كله خير لمن آمن به ، وشر على من كفر به ، ومن بركته بقاء الدنيا ، وإنبات الأرض ، وإمطار السماء ، ولذا إذا رفع القرآن تأتي ريح لينة فيموت بها كل مؤمن ويبقى الكفار ، فبقاء الخير في الأرض مدة بقاء القرآن فيها.
قوله : (مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ) أي موافق للكتب التي قبله في التوحيد والتنزيه ، والمعنى أنه دال على صدقها وأنها من عند الله. قوله : (بالتاء والياء) أي فهما قراءتان سبعيتان ، فعلى التاء يكون خطابا للنبي ، وعلى الياء يكون الضمير عائد على القرآن. قوله : (أي أنزلناه للبركة) هذه العلة مأخوذة من الوصف بالمشتق ، لأن تعليق الحكم به يؤذن بالعلية. قوله : (أي أهل مكة) أشار بذلك إلى أن الكلام على حذف مضاف ، أي أهل أم القرى وهي مكة. قوله : (وسائر الناس) أشار بذلك إلى أنه ليس المراد بمن حولها ما قال ربها من البلاد ، بل المراد جميع البلاد ، لأن مكة وسط الدنيا ، واقتصر على الانذار لأنه هو الموجود في صدر الإسلام ، إذا ليس ثم مؤمن يبشر.
قوله : (وَالَّذِينَ) مبتدأ ، و (يُؤْمِنُونَ) صلته ، و (بِالْآخِرَةِ) متعلق بيؤمنون ، وقوله : (يُؤْمِنُونَ بِهِ) خبره ، ولم يتحد المبتدأ والخبر لتغاير متعلقيهما ، والمعنى والذين يؤمنون بالآخرة إيمانا معتدا به ،