القرية ولا تخشوهم فإنهم أجساد بلا قلوب (فَإِذا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غالِبُونَ) قالا ذلك تيقنا بنصر الله وإنجاز وعده (وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (٢٣) (قالُوا يا مُوسى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً ما دامُوا فِيها فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا) هم (إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ) (٢٤) عن القتال (قالَ) موسى حينئذ (رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَ) إلا (أَخِي) ولا أملك غيرهما فأجبرهم على الطاعة (فَافْرُقْ) فافصل (بَيْنَنا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ) (٢٥) (قالَ) تعالى له (فَإِنَّها) أي الأرض المقدسة (مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ) أن يدخلوها (أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ) يتحيرون (فِي الْأَرْضِ) وهي تسعة فراسخ قاله ابن عباس (فَلا تَأْسَ) تحزن (عَلَى الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ) (٢٦) روي أنهم كانوا يسيرون الليل جادين فإذا أصبحوا إذا هم في الموضع الذي ابتدؤوا منه ويسيرون النهار كذلك حتى انقرضوا كلهم إلا من لم يبلغ العشرين قيل وكانوا ستمائة ألف ومات هارون وموسى في التيه وكان
____________________________________
بخلاف ما إذا دخلتم عليهم القرية بغتة ، فإنهم لا يقدرون على الكر والفر. قوله : (بلا قلوب) أي قوية نافعة. قوله : (تيقنا بنصر الله) أي فإنهما مصدقان بذلك ، لإخبار موسى لهما بذلك. قوله : (وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُوا) أي بعد ترتيب الأسباب ، ولا تعتمدوا عليها فإنها غير مؤثرة. قوله : (ما دامُوا فِيها) أي مدة إقامتهم فيها. قوله : (أَنْتَ وَرَبُّكَ) قيل إن الواو للعطف ، وربك معطوف على الضمير المستتر في اذهب ، وقد وجد الفاصل بالضمير المنفصل ، قال ابن مالك :
وإن على ضمير رفع متّصل |
|
عطفت فافصل بالضّمير المنفصل |
أي ليذهب ربك ، واختلف في الرب ، فقيل هو المولى جل وعلا ، فإسنادهم الذهاب إليه على حقيقته ، لأنهم كانوا يعتقدون التجسيم ، وقيل المراد به هارون وسموه ربا لأنه كان أكبر من موسى بسنة ، وهو الأحسن ، ويدل عليه السياق ، وقيل الواو للحال ، وربك مبتدأ خبره محذوف تقديره يعينك. قوله : (لا أملك غيرهما) إن قلت : إن يوشع وكالب كانا في طاعته أيضا. أجيب بأنه لم يثق بهما. قوله : (فَافْرُقْ بَيْنَنا) أي احكم لنا بما نستحقه ، واحكم لهم بما يستحقونه ، وكان الأمر كذلك ، فصار التيه رحمة لموسى وهارون ، وعذابا على بني إسرائيل. قوله : (أَرْبَعِينَ سَنَةً) يصح أن يكون ظرفا لقوله : (يَتِيهُونَ) وعلى هذا فهي محرمة عليهم أبدا لأنهم انقرضوا ، وما دخلها إلا من لم يبلغ العشرين حين الميثاق ، وقيل ظرف لقوله : (مُحَرَّمَةٌ) وعلى هذا فالتحريم مقيد بتلك المدة ، وقيل ظرف لهما معا. قوله : (وهي تسعة فراسخ) أي عرضا ، وطولها ثلاثون فرسخا.
قوله : (فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ) أي وذلك أنه ندم على دعائه عليهم ، فقيل له لا تأس فإنهم أحق بذلك. قوله : (ومات هارون وموسى في التيه) ومات موسى بعد هارون بسنة ، وقيل إن موسى هو الذي ملك الشام ، وكان يوشع على مقدمته ، وعاش فيها زمنا طويلا ، ومات ولم يعلم له قبر ، وهما طريقتان : قيل إن موسى وهارون توجها إلى البرية ، فمات هارون فدفنه أخوه موسى ، ثم رجع إلى قومه فقالوا قتله لحبنا إياه ، فتضرع موسى إلى ربه ، فأوحى الله إليه أن انطلق بهم إلى هارون فإني باعثه ، فانطلق بهم إلى قبره ، فناداه يا هارون فخرج من قبره ينفض رأسه ، قال : أنا قتلتك؟ قال : لا ، ولكنني