(مُبَشِّرِينَ) بالثواب من آمن (وَمُنْذِرِينَ) بالعقاب من كفر أرسلناهم (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ) تقال (بَعْدَ) إرسال (الرُّسُلِ) إليهم فيقولوا ربنا لو لا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك ونكون من المؤمنين فبعثناهم لقطع عذرهم (وَكانَ اللهُ عَزِيزاً) في ملكه (حَكِيماً) (١٦٥) في صنعه. ونزل لما سئل اليهود عن نبوته صلىاللهعليهوسلم فأنكروه (لكِنِ اللهُ يَشْهَدُ) يبين نبوتك (بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ) من القرآن المعجز (أَنْزَلَهُ) ملتبسا (بِعِلْمِهِ) أي عالما به أو وفيه علمه (وَالْمَلائِكَةُ
____________________________________
وحذف ، وهذا هو الأولى ، ويحتمل أنه متعلق بمحذوف تقديره (أرسلناهم) وعلى ذلك درج المفسر ، إلا أن يقال إنه حل معنى لا حل إعراب. قوله : (حُجَّةٌ) أي معذرة يعتذرون بها ، وسماها الله حجة تفضلا منه وكرما ، فأهل الفترة ناجون ولو بدلوا وغيروا ، قال تعالى : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) وقال تعالى : (وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقالُوا رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً) الآية ، وما ورد من تعذيب بعض أفراد من أهل الفترة ، فأحاديث آحاد لا تقاوم القطعيات ، كما أفاده أشياخنا المحققون.
قوله : (بَعْدَ الرُّسُلِ) أي وإنزال الكتب ، والمعنى لو لم يرسل الله رسولا لكان للناس عذر في ترك التوحيد فقطع الله عذرهم بإرسال الرسل ، والظرف متعلق بالنفي ، أي انتفت حجتهم واعتذارهم بعد إرسال الرسل ، وأما قبل الإرسال فكانوا يعتذرون ، فإن قلت : كيف يكون للناس حجة قبل الرسل ، مع قيام الأدلة التي تدل على معرفة الله ووحدانيته كما قيل :
وفي كلّ شيء له آية |
|
تدلّ على أنّه الواحد |
أجيب : بأن الله لا يكلفنا بذلك بمجرد العقل ، بل لا بد من ضميمة الرسل التي تنبه على الأدلة ، وشاهده هذه الآية ، وقوله تعالى : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) فلذلك قال أهل السنة : إن معرفة الله لا تثبت إلا بالشرع ، خلافا للمعتزلة. قوله : (لو لا أرسلت) لو لا للتحضيض وهو الطلب بحث وإزعاج ، ولكن المراد بها هنا العرض وهو الطلب بلين ورفق. قوله : (عَزِيزاً) أي غالبا قاهرا لغيره منفردا بالإيجاد والإعدام ، وقوله : (حَكِيماً) أي يضع الشيء في محله. قوله : (ونزل لما سئل اليهود) أي حين قال النبي صلىاللهعليهوسلم لليهود : «أنتم تشهدون بأني مذكور في كتبكم» ، فقالوا : لا نشهد بذلك ، وما نعلم من بشر أوحي إليه بعد موسى ، وقيل إن السائل مشركو العرب حيث قالوا للنبي : إنّا نسأل اليهود عنك وعن صفتك في كتابهم ، فزعموا أنهم لا يعرفونك فنزلت ، والمعنى أن أنكروك وكفروا ما أنزل إليك ، فقد كذبوا فيما قالوا ، لأن الله يشهد لك بالنبوة والرسالة ، ويشهد بما أنزل إليك.
قوله : (لكِنِ اللهُ يَشْهَدُ) استدراك على ما ذكر في سبب النزول. قوله : (من القرآن المعجز) أي لكل مخلوق ، ولم ينزل كتاب معجز يتحدى به على نبي من الأنبياء غير نبينا. قوله : (أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ) أشار المفسر إلى أن الباء للملابسة أو بمعنى في ، والمعنى على الأول أنزله ملتبسا بعلمه ، أي وهو عالم به ، لأن التأليف يحسن على قدر علم مؤلفه ، فحيث كان هذا القرآن ناشئا عن علم الله التام المتعلق بكل شيء ، كان في أعلى طبقات البلاغة ، فلا يمكن أحدا غيره الإتيان بشيء منه ، والمعنى على الثاني أنزله ، والحال أن فيه علمه أي معلوماته الغيبية ، بمعنى أنه مشتمل على المغيبات ، وعلى مصالح الخلق وما يحتاجون إليه ، فحيث اشتمل على ذلك فهو شاهد صدق على