آمن بالنبي صلىاللهعليهوسلم كعبد الله بن سلام وأصحابه (وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ ساءَ) بئس (ما) شيئا (يَعْمَلُونَ) (٦٦) (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ) جميع (ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) ولا تكتم شيئا خوفا أن تنال بمكروه (وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ) أي لم تبلغ جميع ما أنزل إليك (فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ) بالإفراد والجمع لأن كتمان بعضها ككتمان كلها (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) أن يقتلوك وكان صلىاللهعليهوسلم يحرس
____________________________________
أي بالقرآن أو بما ذكر من التوراة وما بعدها. قوله : (ومنهم من آمن) الأوضح أن يحذف قوله ومنهم من آمن ، ويقتصر على قوله كعبد الله الخ ، كما قال غيره من المفسرين ، وفي نسخة وهم من آمن وهي الصواب. قوله : (وَكَثِيرٌ) مبتدأ وجملة (ساءَ ما يَعْمَلُونَ) خبره ، وساء كلمة ذم. وما مميز وقيل فاعل. وجملة يعملون : إما صلة إن جعلت ما موصولة أو صفة إن جعلت نكرة ، والعائد محذوف قدره المفسر.
قوله : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ) سبب نزولها : أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم لما بعث ضاق ذرعا لعلمه أن قوما يكذبونه ولا بد ، فنزلت الآية تسلية له ، وفي ندائه بيا أيها الرسول شهادة له بالرسالة ، وأل في الرسول للعهد الحضوري ، أي الرسول الحاضر وقت نزولها ، وهو محمد صلىاللهعليهوسلم. قوله : (جميع) قدره إشارة إلى أن ما اسم موصول بمعنى الذي ، ولا يصح تقديرها نكرة ، لأنه يصدق بتبليغ البعض مع أنه غير مكلف ، واعلم أن ما أوحي إلى رسول الله ، ينقسم إلى ثلاثة أقسام : ما أمر بتبليغه وهو القرآن والأحكام المتعلقة بالخلق عموما فقد بلغه ولم يزد عليه حرفا ولم يكتم منه حرفا ولو جاز عليه الكتم لكتم آيات العتاب الصادرة له من الله ، كآية عبس وتولى ، وآية ما كان لنبي أن يكون له أسرى ، وسورة تبت يدا أبي لهب ، ولفظ قل يا أيها الكافرون ، وقل هو الله أحد ، وقل أعوذ برب الفلق ، وقل أعوذ برب الناس ، وقد شهد الله له بتمام التبليغ ، حيث أنزل قبيل وفاته (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) وورد أنه قال لعزرائيل حين قبض روحه : اقبض فقد بلغت ، وما أمر بكتمه فقد كتمه ولم يبلغ منه حرفا ، وهو جميع الأسرار التي لا تليق بالأمة ، وما خير في تبليغه وكتمه ، فقد كتم البعض وبلغ البعض ، وهو الأسرار التي تليق بالأمة ، ولذا ورد عن أبي هريرة أنه قال : أعطاني حبيبي جرابين من العلم ، لو بثثت لكم أحدهما لقطع مني هذا الحلقوم. قوله : (خوفا أن تنال بمكروه) أي يمنعك عن مطلوبك ، كالقتل والأسر ومنع الخلق عنك فإنك معصوم من ذلك ، وأما مثل السب فتحمله ، ولا يكن مانعا لك من التبليغ ، وهذا إخبار من الله بأن رسوله لم يكتم شيئا ، فهو معصوم من الكتمان لاستحالته عليه. قوله : (بالإفراد والجمع) أي فهما قراءتان سبعيتان ، وعلى كل فهو مفعول لبلغت ، فعلى الإفراد منصوب بالفتحة الظاهرة ، وعلى الجمع منصوب بالكسرة لأنه جمع مؤنث سالم ، والمعنى واحد على كل ، لأن المفرد المضاف يفيد العموم. قوله : (لأن كتمان بعضها الخ) أشار بذلك إلى دفع سؤال ورد على الآية. وحاصله أن ظاهر قوله : (وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ) اتحاد الشرط ، والجواب لأنه ينحل المعنى إن لم تبلغ فما بلغت. وحاصل الجواب أن المعنى وإن تركت شيئا مما أمرت بتبليغه ولو حرفا ، فقد تركت الكل وصار ما بلغته غير معتد به ، لأن كتمان بعضه ككتمان كله.
قوله : (وَاللهُ يَعْصِمُكَ) أي يحفظك وهو من تمام الأمر بالتبليغ. قوله : (أن يقتلوك) دفع ما قيل إنه أوذي أشد الإيذاء قولا فأجاب بأن المراد العصمة من القتل ، وما في معناه من كل ما يعطل عليه التبليغ وهكذا كل نبي أمر بالقتال ، وما ورد من قتل بعض الأنبياء ، فلم يكونوا مأمورين بالقتال. قوله :