وَلَمَّا) لم (يَأْتِكُمْ مَثَلُ) شبه ما أتى (الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ) من المؤمنين من المحن فتصبروا كما صبروا (مَسَّتْهُمُ) جملة مستأنفة مبينة ما قبلها (الْبَأْساءُ) شدة الفقر (وَالضَّرَّاءُ) المرض (وَزُلْزِلُوا) أزعجوا بأنواع البلاء (حَتَّى يَقُولَ) بالنصب والرفع أي قال (الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ) استبطاء للنصر لتناهي الشدة عليهم (مَتى) يأتي (نَصْرُ اللهِ) الذي وعدناه فأجيبوا من قبل الله (أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ) (٢١٤) إتيانه (يَسْئَلُونَكَ) يا محمد (ما ذا يُنْفِقُونَ) أي الذين ينفقونه ، والسائل عمرو بن الجموح وكان شيخا ذا مال فسأل النبي صلىاللهعليهوسلم عما ينفق وعلى من ينفق (قُلْ) لهم (ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ) بيان لما شامل للقليل والكثير وفيه بيان المنفق الذي هو أحد
____________________________________
الإسلام ، سمي طريقا لأنه يوصل للمقصود كما أن الطريق كذلك. قوله : (ونزل في جهد) هو بالفتح المشقة. قوله : (أصاب المسلمين) قيل كان ذلك في غزوة الأحزاب حين حاصر الكفار المدينة واحتاطوا بها وقطعوا عنها الوارد ولم يكن بينهم وبين دخولها إلا الخندق ، وكانوا إذ ذاك عشرة آلاف مقاتل ، فاشتد الكرب والخوف على المسلمين ولا سيما مع وجود ثلاثمائة منافق بين أظهرهم فنزلت الآية.
قوله : (أَمْ حَسِبْتُمْ) قدر المفسر بل إشارة إلى أن أم منقطعة والهمزة للاستفهام الإنكاري التوبيخي ، والمقصود منه تقويتهم على الصبر. قوله : «لم» قدرها إشارة إلى أن لما نافية بمعناها. قوله : (ما أتى) قدر ذلك المضاف إشارة إلى أن الشبه في الأمر الذي أتاهم لا في الذوات. قوله : (مِنْ قَبْلِكُمْ) تأكيد لخلوا. قوله : (من المحن) بيان لما أتى. قوله : (بالنصب والرفع) أي فهما قراءتان سبعيتان والنصب بأن مضمرة وحتى بمعنى إلى وهي تنصب المضارع إذا كان مستقبلا ولا شك أن القول مستقبل بالنسبة للزلزال. إن قلت : إن القول والزلزال قد مضى. فالجواب : أنه على حكاية الحال الماضية ، وأما الرفع فهو بناء على أن الفعل بعدها حال مقارن لما قبلها ، والحال لا ينصب بعد حتى فتحصل أن لها بعد حتى ثلاثة أحوال : إما أن يكون مستقبلا أو ماضيا أو حالا ، فالأول ينصب والأخيران يرفعان. قوله : (مَتى نَصْرُ اللهِ) قدر المفسر يأتي إشارة إلى أن نصر الله فاعل بفعل محذوف ، ولكن الأحسن جعله مبتدأ مؤخرا ومتى خبر مقدم ، وليس قول الرسول قلقا وعدم صبر بل ذلك دعاء وطلب لما وعده الله به. قوله : (أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ) أخذ من ذلك أنه إذا اشتد الكرب كان الدعاء بالفرج مستجابا ، قال تعالى : (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ) وقد حقق الله ذلك سريعا كما قال في سورة الأحزاب : (فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها).
قوله : (يَسْئَلُونَكَ) أي أصحابك المسلمون. قوله : (ما ذا يُنْفِقُونَ) ما اسم استفهام مبتدأ ، وذا اسم موصول بمعنى الذي خبره ، وجملة ينفقون صلته والعائد محذوف أي ينفقونه ، والمعنى أن أصحابك يسألونك عن الشيء الذي ينفقونه هل ينفقون مما تيسر ولو حراما أو يتحرون الحلال ، وفي الآية حذف سؤال آخر دل عليه الجواب ، والتقدير وعلى من ينفقون ، والسؤال عن صدقة التطوع بدليل الجواب. قوله : (السائل عمرو) أي إنما جمع السائل في الآية لأن التكليف لكل مسلم ، فكان هذا السائل ترجمانا عن كل مسلم ، وإنما اعتنى بذلك السؤال لأن الإنسان يوم القيامة ورد أنه يسأل عن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه. قوله : (فسأل النبي الخ) أي وحينئذ ففي الآية اكتفاء في السؤال حيث حذف الشق الثاني