فسمى كل شيء باسمه وذكر حكمته التي خلق لها (فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ قالَ) تعالى لهم توبيخا (أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ما غاب فيهما (وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ) تظهرون من قولكم أتجعل فيها الخ (وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ) (٣٣) تسرون من قولكم لن يخلق الله أكرم عليه منا ولا أعلم (وَ) اذكر (إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ) سجود تحية بالإنحناء (فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ)
____________________________________
للاستفهام التوبيخي ، والقصد منه توبيخهم على ما مضى منهم وليست الإنكار ولا للتقرير. قوله : (ما غاب فيهما) أي عنا. قوله : (أتجعل فيها إلخ) أي من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك. بقي شيء آخر وهو أن مقتضى الآية أن آدم علم الأسماء والمسميات ، ومقتضى قول البويصيري في الهمزية :
لك ذات العلوم من عالم الغي |
|
ب ومنها لآدم الأسماء |
أن آدم علم الأسماء دون المسميات ، فيكون بينه وبين الآية مخالفة ، والحق أنه لا مخالفة لأنه يلزم من علم الأسماء علم المسميات لعرض المسميات عليه أولا ، فمعنى قول البوصيري لك ذات العلوم أي أصلها ، فعلم آدم مأخوذ من نبينا ، لأن رسول الله أعطي أصل العلوم بل وأصل كل كمال ، ويشهد لذلك قول ابن مشيش وتنزلت علوم آدم أي صل على من منه تنزلت علوم آدم ، فعلوم آدم كائنة منه فأعجز بها الملائكة خاصة ، وأما علوم رسول الله فاعجز بها الخلائق جميعا ، هذا هو الحق ولا تغتر بما قيل إن آدم علم الأسماء فقط ، ومحمد علم الأسماء والمسميات. قوله : (وَ) اذكر (إِذْ قُلْنا) أشار المفسر بذلك إلى أن إذ ظرف عاملها محذوف والتقدير واذكر وقت قولنا إلخ إن قلت إن المقصود ذكر القصة لا ذكر الوقت ، أجيب بأن التقدير ذكر القصة الواقعة في ذلك الوقت ، ومحصل ذلك أنه بعد خلق آدم ونفخ الروح فيه ، وعرض المسميات على الملائكة ، وإنباء آدم لهم بالأسماء أمرهم الله بالسجود له لأنه صار شيخهم ، ومن حق الشيخ التعظيم والتوقير ، وكان ذلك كله خاو.
قوله : (بالإنحناء) أشار بذلك إلى أن المراد السجود اللغوي وهو الإنحناء كسجود إخوة يوسف وأبويه له وهو تحية الأمم الماضية ، وأما تحيتنا فهي السّلام ، وعليه فلا إشكال ، وقال بعض المفسرين إن السجود شرعي بوضع الجبهة على الأرض ، وآدم قبلة كالكعبة ، فالسجود لله وإنما آدم قبلة ، والآية محتملة للمعنيين ولا نص يعين أحدهما ، وعلى الثاني فاللام بمعنى إلى أي اسجدوا جهة آدم فاجعلوه قبلتكم. قوله : (فَسَجَدُوا) أي الملائكة كلهم أجمعون بدليل الآية الأخرى ، فالخطاب بالسجود لجميع الملائة على التحقيق لا الملائكة الذين طردوا بني الجان. قوله : (إِلَّا إِبْلِيسَ) قيل مشتق من أبلس إبلاسا بمعنى بئس وهذا هو اسمه في اللوح المحفوظ.
فائدة : قال كعب الإحبار : إن إبليس اللعين كان خازن الجنة أربعين الف سنة ، ومع الملائكة ثمانين الف سنة ، ووعظ الملائكة عشرين الف سنة ، وسيد الكروبيين ثلاثين الف سنة ، وسيد الروحانيين الف سنة ، وطاف حول العرش أربعة عشر الف سنة ، وكان اسمه في سماء الدنيا العابد ، وفي الثانية الزاهد ، وفي الثالثة العارف ، وفي الرابعة الولي ، وفي الخامسة التقي ، وفي السادسة الخازن ، وفي السابعة عزازيل ، وفي اللوح المحفوظ إبليس وهو غافل عن عاقبة أمره. قوله : (هو أبو الجن) هذا أحد قولين والثاني هو أبو الشياطين فرقة من الجن لم يؤمن منهم أحد. قوله : (كان بين الملائكة) أشار بذلك إلى أن الإستثناء منقطع