الصَّالِحاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا) ثبتوا على التقوى والإيمان (ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا) العمل (وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (٩٣) بمعنى أنه يثيبهم (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ) ليختبرنكم (اللهُ بِشَيْءٍ) يرسله لكم (مِنَ الصَّيْدِ تَنالُهُ) أي الصغار منه (أَيْدِيكُمْ وَرِماحُكُمْ) الكبار منه وكان ذلك بالحديبية وهم محرمون فكانت الوحش والطير تغشاهم في رحالهم (لِيَعْلَمَ اللهُ) علم ظهور (مَنْ يَخافُهُ بِالْغَيْبِ) حال أي غائبا لم يره فيجتنب الصيد (فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ) النهي عنه فاصطاده (فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ) (٩٤) (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ) محرمون بحج أو عمرة (وَمَنْ
____________________________________
خوف الوقوع في الشبهات. وقيل الأول تقوى العبد بينه وبين ربه ، والثاني تقوى العبد بينه وبين نفسه ، والثالث تقوى العبد بينه وبين الناس ، لأن العبد لا يكمل إلا إذا كان طائعا فيما بينه وبين ربه ، مجاهدا فيما بينه وبين نفسه ، محافظا على حقوق العباد. قوله : (ثبتوا على التقوى) هذا إشارة للمعنى الأول ، وهو أن المراد بالأول التقوى في أول العمر الخ.
قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) نزلت عام الحديبية حين أحرم رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأصحابه ، وكانوا ألفا وأربعمائة بالعمرة من ذي الحليفة ، وأرسل عثمان لأهل مكة يخبرهم بأن رسول الله قاصد زيارة بيت الله ، فجلسوا ينتظرون عثمان ، فكانت وحوش البر والطيور تأتي إليهم من كل فج ، فنزلت الآية. قوله : (ليختبرنكم) أي يعاملكم معاملة المختبر. قوله : (مِنَ الصَّيْدِ) أي المصيد وهو وحوش البر والطيور ، وهذا الابتلاء نظير ابتلاء قوم موسى بتحريم صيد السمك يوم السبت ، ولكن الله حفظ الأمة المحمدية من الوقوع فيما يخالف أمر ربهم ، فتم له السعد والعز في الدنيا والآخرة ، وأما أمة موسى فتعدوا واصطادوا فمسخوا قردة وخنازير ، قوله : (أَيْدِيكُمْ وَرِماحُكُمْ) هو على التوزيع ، فالأيدي راجع للصغار والرماح راجع للكبار. قوله : (بالحديبية) أي سنة ست ، وقوله : (وهم محرمون) أي بالعمرة ، وأشيع قتل عثمان فبايع النبي أصحابه تحت الشجرة على أنهم يدخلون مكة حربا ثم حصل صلح بين الكفار وبين رسول الله ، فأمرهم رسول الله بالتحلل من العمرة بالحلاق وذبح الهدايا. قوله : (علم ظهور) أي للخلق أي ليظهر لهم المطيع من العاصي. قوله : (حال) أي من فاعل يخاف ، أي حال كون العبد غائبا عن الله أي محجوبا عنه لم يره. قوله : (بَعْدَ ذلِكَ) (النهي) أي المستفاد من قوله : (لَيَبْلُوَنَّكُمُ) مع علته التي هي قوله : (لِيَعْلَمَ اللهُ).
قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ) لما كان قتل الصيد في حال الإحرام مشددا في النهي عنه ، كرر في هذه الصورة أربع مرات أولها في قوله : (غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ) ثانيها (لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ) الآية. ثالثها (لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ). رابعها (وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ) الآية. قوله : (لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ) أتى به وإن علم من قوله : (فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ) ليرتب عليه قوله : (مَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً) الآية. قوله : (وَأَنْتُمْ حُرُمٌ) الجملة حالية من فاعل تقتلوا ، وحرم جمع حرام ، يقع على المحرم وإن كان في الحل ، وعلى من في الحرام وإن كان حلالا ، فهما سيان في النهي عن قتل الصيد.