(قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ) سبط منهم (مَشْرَبَهُمْ) موضع شربهم فلا يشركهم فيه غيرهم وقلنا لهم (كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) (٦٠) حال مؤكدة لعاملها من عثى بكسر المثلثة أفسد (وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ) أي نوع منه (واحِدٍ) وهو المن والسلوى (فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا) شيئا (مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ) للبيان (بَقْلِها وَقِثَّائِها وَفُومِها) حنطتها (وَعَدَسِها وَبَصَلِها قالَ) لهم موسى (أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى) أخس (بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ) أشرف أي أتأخذونه بدله والهمزة للإنكار فأبوا أن يرجعوا فدعا الله تعالى فقال تعالى (اهْبِطُوا) انزلوا (مِصْراً) من الأمصار (فَإِنَّ لَكُمْ) فيه (ما سَأَلْتُمْ) من النبات (وَضُرِبَتْ) جعلت (عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ) الذل والهوان (وَالْمَسْكَنَةُ) أي أثر الفقر من السكون والخزي فهي لازمة لهم وإن كانوا أغنياء لزوم الدرهم المضروب لسكته (وَباؤُ) رجعوا
____________________________________
وقيل معناهما واحد. قوله : (اثْنَتا) فاعل انفجرت مرفوع بالألف لأنه ملحق بالمثنى وعشرة بمنزلة النون في المثنى. قوله : (قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ) أي فكانت كل عين تأتي لقبيلة واعظم من هذه المعجزة نبع الماء من اصابع رسول الله صلىاللهعليهوسلم. قوله : (مِنْ رِزْقِ اللهِ) تنازعه كل من كلوا واشربوا ، فأعمل الأخير ، وأضمر في الأول ، وحذف ، والمراد بالرزق المرزوق ، وهو بالنسبة للأكل المن والسلوى. قوله : (مؤكدة لعاملها) وحكمة ذلك عظم بلادتهم ، فنزلوا منزلة الساهي والغافل. قوله : (من عثى) أي والمصدر عثيا بضم العين وكسرها.
قوله : (وَإِذْ قُلْتُمْ) أي واذكروا إذ قالت أصولكم. قوله : (أي نوع منه) جواب عن سؤال كيف يقولون واحد مع أنهما اثنان ، فأجاب المراد وحدة النوع الذي هو الطعام المستلذ. قوله : (شيئا) قدره إشارة إلى أن مفعول يخرج محذوف. قوله : (مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ) بيان لذلك الشيء. قوله : (بيان) أي بيان ما تنبته الأرض. قوله : (بَقْلِها) هو ما لا ساق له ، كالكراث والفجل والملوخية وشبهها. قوله : (وَقِثَّائِها) هي الخضراوات ، كالبطيخ والخيار وغير ذلك. قوله : (حنطتها) قيل هو الثوم ، لأن الثاء تقلب فاء في اللغة ، والأقرب ما قاله المفسر. قوله : (قال لهم موسى) وقيل القائل الله على لسان موسى. قوله : (بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ) الباء داخلة على المتروك. قوله : (للإنكار) أي التوبيخي. قوله : (فدعا الله) أشار بذلك إلى أن قوله اهبطوا مرتب على محذوف. قوله : (اهْبِطُوا) يطلق الهبوط على النزول من أعلى لأسفل ، وعلى الإنتقال من مكان لمكان ، وهو المراد. إن قلت : ظاهر الآية أنهم متمكنون من الإنتقال ، مع أن الأمر ليس كذلك ـ أجيب : بأن ذلك على سبيل التوبيخ واللوم عليهم في ذلك تقدير الكلام ، أن مطلوبكم يكون في الأمصار ، فإن كنتم متمكنين منها فلكم ما سألتم ، وإلا فاصبروا على حكم الله. قوله : (مِصْراً) بالتنوين لجمهور القراء ، ولم يقرأ بعدمه إلا الحسن وأبي للعلمية والتأنيث ، ونظيرها يجوز فيه الصرف وعدمه ، لأنه اسم ثلاثي ساكن الوسط. قوله : (عَلَيْهِمُ) أي على ذرياتهم إلى يوم القيامة وكل من نحا نحوهم. قوله : (أي أثر الفقر) أي القلبي ولو كثرت أمواله ، قال عليه الصلاة والسّلام : «الفقر سواد الوجه في الدارين». قوله : (لزوم الدرهم إلخ) الكلام على القلب أي لزوم السكة للدرهم ، والمراد بالسكة أثرها ، لأن السكة اسم للحديدة المنقوشة يضرب عليها الدراهم ، فكذلك لا يخلو يهودي من آثار