(وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ) بإيتائه (وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ) بنزعه منه (بِيَدِكَ) بقدرتك (الْخَيْرُ) أي والشر (إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (٢٦) (تُولِجُ) تدخل (اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَتُولِجُ النَّهارَ) تدخله (فِي اللَّيْلِ) فيزيد كل منهما بما نقص من الآخر (وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ) كالإنسان والطائر من النطفة والبيضة (وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ) كالنطفة والبيضة (مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ) (٢٧) أي رزقا واسعا (لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ) يوالونهم (مِنْ دُونِ) أي غير (الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ) أي يوالهم (فَلَيْسَ مِنَ) دين (اللهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ
____________________________________
يا النداء ، والملك هو من العرش للفرش ، وفي بعض الكتب أنا الله ملك الملوك ومالك الملك ، قلوب الملوك ونواصيهم بيدي فإن العباد أطاعوني جعلتهم عليهم رحمة ، وإن هم عصوني جعلتهم عليهم عقوبة ، فلا تشتغلوا بسب الملوك ، ولكن توبوا إليّ أعطفهم عليكم. وقله : (تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ) إما صفة لمالك الملك أو استئناف بياني ، دليل لكونه مالك الملك ، وقوله : (من تشاء) أي كمحمد وأصحابه. قوله : (بإيتائه) أي الملك. قوله : (بنزعه منه) أي بنزع الملك من فارس والروم وغيرهما. قوله : (بقدرتك) هذا تأويل الخلف ، وأما السلف فيؤمنون بذلك ويفوضون علم ذلك لله قوله : (أي والشر) أشار بذلك إلى أن فيه اكتفاء ، وإنما اقتصر على الخير لأن الآية مسوقة في الخير بدليل سبب نزولها وإن كان لفظها عاما ، أو يقال إنما اقتصر على الخير لأنه صنعه ، وأما الشر فبالنظر للمنعكس عليه قال بعض العارفين :
إذا ما رأيت الله في الكل فاعلا |
|
رأيت جميع الكائنات ملاحا |
وإن لم تر إلا مظاهر صنعه |
|
حجبت فصيرت الحسان قباحا |
ففعل الله كله خير لأن أفعاله دائرة بين الفضل والعدل ، ولا ينسب له الشر أصلا ، وإنما ينسب الشر للمخالف ، وليس لمولانا حاكم يخالفه فيما أمره به بل هو الفعال لما يريد. قوله : (إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) دليل لما تقدم. قوله : (فيزيد كل منهما بما نقص من الآخر) أي بقدر ما نقص ساعة بساعة ودرجة بدرجة. قوله : (كالإنسان والطائر الخ) ويصح أن يراد بالحي المسلم وبالميت الكافر قوله : (من النطفة والبيضة) لف ونشر مرتب. قوله : (بِغَيْرِ حِسابٍ) أي ومن غير توقف على عمل ، وإلا فلو توقف رزقه على عمل منا لما أعطانا شيئا أبدا ، بل لم يبق لنا نعمه التي هي موجودة فينا ، كالسمع والبصر والكلام واليدين والرجلين وغير ذلك ، فسبحان الحليم الذي لا يعجل بالعقوبة على من عصاء.
قوله : (لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ) قيل نزلت في عبد الله بن أبي بن سلول ، كان منافقا يخفي الكفر ويحب أهله ويواليهم باطنا ، وكان بصحبته على هذه الخصلة ثلثمائة ، وكانوا يحبون ظفر الأعداء برسول الله وأصحابه ، وإنما كانوا يظهرون الإسلام فقط ، فمعنى الآية أن من علامة الإيمان عدم موالاة أهل الكفر ، قال تعالى : (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ) الآية ، وقال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ) قوله : (أَوْلِياءَ) أي أصدقاء وقوله : (يوالونهم) أي يحبونهم ويميلون إليهم. قوله : (مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) في محل الحال من الفاعل ، أي حال كون المؤمنين متجاوزين بموالاتهم المؤمنين أي تاركين قصر الولاية عليهم ، وذلك الترك يصدق بصورتين ، كونها مشتركة بين الكفار والمؤمنين ، أو مختصة بالكفار ، فالصورتان داخلتان في منطوق النهي ، وإنما