يُقْرِضُ اللهَ) بإنفاق ماله في سبيل الله (قَرْضاً حَسَناً) بأن ينفقه لله عزوجل عن طيب قلب (فَيُضاعِفَهُ) وفي قراءة يضعفه بالتشديد (لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً) من عشر إلى أكثر من سبعمائة كما سيأتي (وَاللهُ يَقْبِضُ) يمسك الرزق عمن يشاء ابتلاء (وَيَبْصُطُ) يوسعه لمن يشاء امتحانا (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (٢٤٥) في الآخرة فيجازيكم بأعمالكم (أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ) الجماعة (مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ مِنْ
____________________________________
الموصول. قوله : (يُقْرِضُ اللهَ) أي يسلفه وهذا من تنزلات المولى لعباده ، حيث خاطبهم مخاطبة المحتاج المضطر ، مع إنه غني عنهم رحمة بهم على حد كتب ربكم على نفسه الرحمة ، وسماه هنا قرضا وفي آية براءة بيعا ، وفي الحقيقة لا بيع ولا قرض لان الملك كله له ، وحينئذ فليست مضاعفته على ذلك ربا لأنه لا تجري أحكام الربا بين السيد وعبده الحادثين لملكه له صورة ، فأولى بين السيد المالك القديم وعبده الذليل الضعيف الذي لا يملك شيئا أصلا فمن إحسانه عليه خلق ونسب إليه. قوله : (قَرْضاً) مفعول مطلق لقوله يقرض. قوله : (عن طيب قلب) أي لا رياء ولا سمعة بل ينفقه من حلال خالصا لله.
قوله : (فَيُضاعِفَهُ) بالرفع والنصب والتشديد والتخفيف قراءات أربع سبعية ، فالرفع عطف على يقرض ، والنصب بأن مضمرة بعد فاء السببية في جواب الاستفهام. قوله : (كما سيأتي) أي في قوله تعالى : (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ) الآية ، وكثرة المضاعفة على حسب الاخلاص قال عليه الصلاة والسّلام : «الله الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضا من بعدي ، فو الذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه».
قوله : (وَاللهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ) هذا كالدليل لما قبله ، أي إن الانفاق لا يقبض الرزق وعدمه لا يبسطه ، بل القابض الباسط هو الله. قوله : (ابتلاء) أي اختبارا هل يصيرون ولا يشكون أم لا. قوله : (امتحانا) أي هل يشكرون أم لا ، فالمطلوب من الإنسان أن يكون كما قال الشاعر :
استغن ما أغناك ربك بالغنى |
|
وإذا تصبك خصاصة فتحمل |
فلا يشكو ربه في حال فقره ، ولا يطغى في حال غناه ، قال أهل الاشارات : في الآية إشارة خفية إلى أن القبض لا بد وأن يعقبه بسط بخلاف العكس. قوله : (فيجازيكم بأعمالكم) أي فيثيب المنفق ويعذب الممسك.
قوله : (أَلَمْ تَرَ) ضمنت معنى ينتهي فعديت بإلى كما تقدم نظيره ، والاستفهام هنا نظير ما تقدم ، فالمقصود من ذكر هذه القصة العبرة حيث كانوا كثيرا ولم يوجد الصدق في غالبهم ، فالمعنى لا تكونوا يا أمة محمد كمن ذكروا في الجبن والمخالفة. قوله : (الجماعة) أي الأشراف لأنهم هم الذين يملأون العين هيبة وأنسا. قوله : (مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ) من تبعيضية. وحاصل مبدأ تلك القصة أنه عند وفاة موسى خلف الله على بني إسرائيل يوشع بن نون فقام بالخلافة حق قيام ، ثم لما مات تخلف عليهم كالب ثم حزقيل ثم الياس ثم اليسع فقاموا جميعا بالخلافة كمن قبلهم. ثم ظهرت لهم العمالقة وكانوا في بلد قريبة من بيت المقدس يقال لها فلسطين وهم من أولاد عمليق بن عاد ، فغلبوا على كثير من بلادهم وأسروا من أبناء ملوكهم أربعمائة وزيادة وضربوا عليهم الجزية ، ولم يكن فيهم إذ ذاك نبي ولا ذرية نبي إلا امرأة حبلى من ذرية لاوى من أولاد يعقوب فولدت غلاما فسمته شمويل ، فلما كبر نبأه الله عليهم وأرسله إليهم ، ثم إنهم