لو وصلت إحداهما بالأخرى والعرض السعة (أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) (١٣٣) الله بعمل الطاعات وترك المعاصي (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ) في طاعة الله (فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ) اليسر والعسر (وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ) الكافين عن إمضائه مع القدرة (وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ) ممن ظلمهم أي التاركين عقوبتهم (وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (١٣٤) بهذه الأفعال أي يثيبهم (وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً) ذنبا قبيحا كالزنا (أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) بما دونه كالقبلة (ذَكَرُوا اللهَ) أي وعيده
____________________________________
ابن عباس ، أو مجازي وهو كناية عن عظم سعتها ، وإلا فالسموات والأرض لو اتصلت بعضها ببعض كان ما ذكر أقل مما يعطاه أبو بكر الصديق فضلا عن غيره ، لما ورد أن جبريل يسير بأجنحته الستمائة في ملكه شهرا. إذا علمت ذلك ، فالمناسب للمفسر أن يقول أو العرض السعة ليفيد أنه تفسير آخر.
قوله : (أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) أي هيئت وأحضرت وقدم هذا الوصف لأن مستلزم لجميع الأوصاف ، والمتقين جمع متق وهو المنهمك في الطاعات المجتنب المعاصي. قوله : (اليسر والعسر) أي الرخاء والشدة وذلك لثقته بربه واعتماده عليه ، فينفق في كل زمن على حسب حاله فيه قليلا أو كثيرا ولا يستخف بالصدقة ، ففي الحديث : «اتقوا النار ولو بشق تمرة» وفي رواية «ولو بظلف محرق». قوله : (وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ) أي وهو نارية تحل في القلب تظهر آثارها على الجوارح. قوله : (الكافين على إمضائه مع القدرة) أي الكاتمين الغضب مع القدرة على العمل بمقتضاه بظواهرهم وبواطنهم ، وكظم الغيظ من أعظم العبادة ، ورد من كظم غيظا وهو يقدر على إنفاذه ملأه الله أمنا وإيمانا ، إن قلت : ورد عن الشافعي أنه قال من استغضب ولم يغضب فهو حمار فمقتضاه أنه مذموم ومقتضى الآية أنه من المتقين. أجيب : بأن كلام الشافعي يحمل على إذا ما رأى حرمات الله تفعل ولم ينه عنها ولم يغضب لأجلها ، وقد اتفق للإمام الحسن زمن خلافته وكان حليما جدا أن رجلا قدم عليه ليمتحنه فصار يسبه ويتكلم فيه وهو يبتسم ، فقال له الرجل إن شتمتني واحدة شتمتك مائة ، فقال له الحسن إن شتمتني مائة ما شتمتك واحدة فوقع على قدمه وقبلها وقال أشهد أنك على خلق رسول الله.
قوله : (وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ) عطف على الكاظمين من عطف العام على الخاص ، لأن العفو أعم من أن يكون معه كظم غيظ أو لا ، كما إذا سبه وهو غائب فبلغه ذلك فعفا عنه من غير أن يستفزه الغضب ، واتفق للإمام زين العابدين أن جاريته كانت تصب عليه ماء الوضوء ، فسقط الإبريق على رأسه فشج وجهه فرفع بصره لها فقالت له والكاظمين الغيظ ، فقال كظمت غيظي ، فقالت والعافين عن الناس فقال عفوت عنك ، فقالت والله يحب المحسنين ، فقال أنت حرة لوجه الله. قوله : (وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا) شروع في ذكر التوابين بعد أن ذكر المطهرين ، وبقي قسم ثالث وهم الذين أصروا على المعاصي وماتوا من غير توبة فأمرهم مفوض الله إما أن يدخلهم الجنة من غير سابقة عذاب أو يعذبهم بقدر الجرم ثم يدخلهم الجنة خلافا للمعتزلة حيث منعوا عن غفران الذنوب لهم.
قوله : (وَالَّذِينَ) مبتدأ أول أولئك مبتدأ ثان وجزاؤهم مبتدأ ثالث ، وقوله : (مَغْفِرَةٌ) خبر الثالث وهو وخبره خبر الثاني وهو وخبره خبر الأول ، وقوله : (كالزنا) أي وغيره من الكبائر قوله : (ذنبا قبيحا) أي كبيرا ، وقوله : (بما دونه) أي كالصغائر وهذه الآية نزلت في حق رجل تمار مرت عليه امرأة