مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا) عملهم (فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ) لهم (رَحِيمٌ) (٨٩) بهم ، ونزل في اليهود (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) بعيسى (بَعْدَ إِيمانِهِمْ) بموسى (ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً) بمحمد (لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ) إذا غرغروا وماتوا كفارا (وَأُولئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ) (٩٠) (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ) مقدار ما يملؤها (ذَهَباً وَلَوِ افْتَدى بِهِ) أدخل الفاء في خبر إن لشبه الذين بالشرط وإيذانا بتسبب عدم القبول عن الموت على الكفر (أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) مؤلم (وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ) (٩١) مانعين منه (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ) أي ثوابه وهو الجنة (حَتَّى تُنْفِقُوا) تصدقوا (مِمَّا تُحِبُّونَ) من أموالكم (وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ) (٩٢) فيجازي عليه. ونزل لما قال اليهود إنك تزعم أنك على ملة إبراهيم وكان لا يأكل لحوم الإبل وألبابها (كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلًّا) حلالا (لِبَنِي إِسْرائِيلَ إِلَّا ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ) يعقوب (عَلى نَفْسِهِ) وهو الإبل لما حصل له عرق النسا بالفتح والقصر فنذر إن شفي لا يأكلها فحرم عليه (مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ) وذلك
____________________________________
قوله : (مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) أي الكفر ، قوله : (رَحِيمٌ) (بهم) أي حيث قبل توبتهم ، قوله : (بعيسى) أي والإنجيل ، وقوله : (بموسى) أي والتوراة ، وقوله : (بمحمد) أي والقرآن ، قوله : (إذا غرغروا) أشار بذلك إلى أن الآية مقيدة بذلك وهذا في الكافر ، وأما العاصي فتقبل منه عند الغرغرة ، قوله : (أو ماتوا كفّارا) أي بأن تابوا عند معاينة العذاب. قوله : (مِلْءُ الْأَرْضِ) أي مشرقها ومغربها ، قوله : (ذَهَباً) تمييز وخصه بالذكر لأنه أحسن الأموال وأغلاها ، قوله : (وَلَوِ افْتَدى بِهِ) أي هذا إذا تصدق به ، بل ولو افتداه أهله به بالصدقة لا تنفعه منه أو من غيره لإجله.
قوله : (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ) لما ذكر أن صدقة الكافر لا تنفعه ، ذكر هنا أن صدقة المسلم وجميع طاعاته تنفعه ، قوله : (أي ثوابه) أي البر أشار بذلك إلى أن في الكلام حذف مضاف. قوله : (تصدقوا) بحذف إحدى التاءين على التخفيف ، أو بدون حذف على التشديد بقلب إحدى التاءين صادا أو بادغامها في الصاد. قوله : (من أموالكم) أي وغيرها من الأنفس والجاه ، قوله : (فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ) هذه الجملة في محل الجواب ، أي فحيث كان عليما بذلك لا يضيع من جزائه شيء. وقد أشار لذلك المفسر بقوله فيجازون عليه ، قوله : (ونزل لما قال اليهود الخ) أي سبب نزولها قول اليهود ما ذكر. قوله : (وكان لا يأكل لحوم الإبل) أي زعموا أن ما ذكر حرام على إبراهيم ، فلو كنت على ملته لما كان ذلك حلا لك ، فرد الله عليهم زعمهم.
قوله : (كُلُّ الطَّعامِ) أي الذي هو حلال في شرعنا ، فما هو حلال في شرعنا كان حلالا في شرعه.
قوله : (حلالا) أشار بذلك إلى أنه يقال حل وحلال وكذلك حرم وحرام ، قوله : (إِلَّا ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ) معناه بالعربية عبد الله وهو اسمه ويعقوب لقبه. قوله : (عرق النسا) أي وهو عرق ينفر في بطن الفخذ يعجز صاحبه ، وورد في دوائه عن أنس عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه يؤتى بكبش عربي ويذبح وتؤخذ أليته وتقطع ثم تسلى بالنار ، ثم يؤخذ ذلك ويقسم ثلاثة أجزاء ويشرب كل جزء على الريق ، قال أنس : فما زلت أصف ذلك لمن نزل به فشفي به أكثر من مائة ، قوله : (فنذر إن شفي لا يأكلها) أي وكان لحمها أحب المأكول إليه ، ولبنها أحب المشروب إليه ، ومثل هذا النذر لا يلزم في شرعنا لأن النذر إنما يلزم به ما ندب ، وترك