(لَقُضِيَ الْأَمْرُ) بهلاكهم (ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ) (٨) يمهلون لتوبة أو معذرة كعادة الله فيمن قبلهم من إهلاكهم عند وجود مقترحهم إذا لم يؤمنوا (وَلَوْ جَعَلْناهُ) أي المنزل إليهم (مَلَكاً لَجَعَلْناهُ) أي الملك (رَجُلاً) أي على صورته ليتمكنوا من رؤيته إذ لا قوة للبشر على رؤية الملك (وَ) لو أنزلناه وجعلناه رجلا (لَلَبَسْنا) شبهنا (عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ) (٩) على أنفسهم بأن يقولوا ما هذا إلا بشر مثلكم (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ) فيه تسلية للنبي صلىاللهعليهوسلم (فَحاقَ) نزل (بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) (١٠) وهو العذاب فكذا يحيق بمن استهزأ بك (قُلْ) لهم (سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) (١١) الرسل من هلاكهم بالعذاب ليعتبروا (قُلْ لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ) إن لم يقولوه لا جواب غيره (كَتَبَ) قضى (عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ)
____________________________________
كمن قبلهم مع أنه قال (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ) فعدم إجابتهم رحمة بهم. قوله : (وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً) رد لقوله هلا كان رسولنا من الملائكة لا من البشر. قوله : (أي على صورته) أشار بذلك إلى أن الكلام على حذف مضاف أي صورة رجل ، فالشبه في الصورة فقط. قوله : (إذ لا قوة للشر على رؤية الملك) أي ولذلك كان يأتي الأنبياء على صورة رجل ، ولم ير الملك على صورته الأصلية أحد من البشر إلا رسول الله صلىاللهعليهوسلم مرتين : مر في الأرض عند غار حراء ، ومرة في السماء عند سدرة المنتهى ليلة الإسراء. قوله : (وَلَلَبَسْنا) جعله المفسر جواب شرط محذوف والواو داخلة على فعل الشرط المحذوف قدره بقوله : (ولو جعلناه رجلا) والمناسب للمفسر الاقتصاد على ذلك ، ويحذف قوله (وَ) (لو أنزلناه) ولبس بفتح الباء يلبس بكسرها ، خلط يخلط والتبس اختلط واشتبه ، وأما لبس بكسر الباء يلبس بفتحها سلك الثوب في العنق.
قوله : (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ) فلا تحزن واصبر على أذاهم ، فإن الله كافيك شرهم. قوله : (فكذا يحيق بمن استهزأ بك) أي لكن لا على الوجه الذي حاق بهم من عموم العذاب ، بل بأخذ المتمرد بخصوصه ، وقد فعل الله له ذلك. قال تعالى : (إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ). قوله : (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ) هذا استشهاد على ما تقدم ، كأنه قيل إن لم تصدقوا خبر ربكم بأنه حاق بالذين سخروا وكذبوا أنبياءهم العذاب فسيروا وعاينوا آثارهم. قوله : (ثُمَّ انْظُرُوا) أتى بثم لأنه لا يحسن التفكر والاستدلال ، ولا بثم إلا بعد تمام السير ومعاينة الآثار. قوله : (كَيْفَ) اسم استفهام خبر كان وعاقبة اسمها ، وإنما قدم الخبر عليها وعلى اسمها ، لأن اسم الاستفهام له الصدارة. قوله : (ليعتبروا) أي يتعظوا فبالسير والتفكر يحصل الاستدلال والنور التام ، ومن هنا أخذت الصوفية السياحة ، لأن من جملة ما يعين على الوصول إلى الله والترقي إلى المعارف النظر والتفكر في مصنوعاته ، قال تعالى (سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُ).
قوله : (قُلْ لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) الجار والمجرور خبر مقدم ، وما اسم موصول مبتدأ مؤخر ، وفي السماوات والأرض صلة الموصول والأصل قل ما في السماوات والأرض لمن ، وإنما قدم الخبر لأن اسم الاستفهام له الصدارة ، وهذه حجة قاطعة لا يمكن ردها أبدا. قوله : (قُلْ لِلَّهِ) أي تقرير لهم وتنبيه على أنه المتعين للجواب بالإتفاق لقوله تعالى : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ