فلم يرجعوا (أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا) بالاعتداء (بِعَذابٍ بَئِيسٍ) شديد (بِما كانُوا يَفْسُقُونَ) (١٦٥) (فَلَمَّا عَتَوْا) تكبروا (عَنْ) ترك (ما نُهُوا عَنْهُ قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ) (١٦٦) صاغرين فكانوها وهذا تفصيل لما قبله قال ابن عباس ما أدري ما فعل بالفرقة الساكتة وقال عكرمة لم تهلك لأنها كرهت ما فعلوه وقالت لم تعظون الخ. وروى الحاكم عن ابن عباس أنه رجع إليه وأعجبه (وَإِذْ تَأَذَّنَ) أعلم (رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ) أي اليهود (إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ) بالذل وأخذ الجزية فبعث عليهم سليمان وبعده بختنصر فقتلهم وسباهم وضرب عليهم الجزية فكانوا يؤدونها إلى المجوس إلى أن بعث نبينا صلىاللهعليهوسلم فضربها عليهم (إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقابِ) لمن عصاه (وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ) لأهل طاعته (رَحِيمٌ) (١٦٧) بهم (وَقَطَّعْناهُمْ) فرقناهم (فِي الْأَرْضِ أُمَماً) فرقا (مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ) ناس (دُونَ ذلِكَ)
____________________________________
(أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ) الخ ، والتقدير فلما ذكر من تذكر ونسي من نسي أنجينا الخ. قوله : (بَئِيسٍ) فعيل من بؤس إذا اشتد ، وقرىء بيئس على وزن ضيغم ، وبئس بكسر الباء وسكون الهمزة أو قلبها ياء ، وبيس بفتح الباء وتشديد الياء مكسورة ، وبيس بفتح الباء وسكون الياء ، وبائس على وزن فاعل ، هكذا في البيضاوي ، وليست كلها سبعية.
قوله : (كُونُوا) أمر تكوين لا قول ، فهو كناية عن سرعة التصبير ، إذ لا يكلف الشخص إلا بما يقدر عليه ، وكونهم قردة ليس في طاقتهم. قوله : (فكانوها) أي : (قِرَدَةً) وقيل : إن شبابهم مسخوا قردة ، وشيوخهم خنازير ، وقيل : إن الذين مسخوا خنازير ، هم أصحاب المائدة. قوله : (وهذا) أي قوله : (فَلَمَّا عَتَوْا) تفصيل لما قبله ، وهو قوله : (وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا) الخ. قوله : (لأنها كرهت ما فعلوه) أي فهي داخلة تحت قوله : (أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ) فهي وإن لم تنه صريحا لكنها نهت ضمنا. قوله : (إنه رجع إليه) أي إلى قول عكرمة.
(وَإِذْ تَأَذَّنَ) إذ ظرف لمحذوف تقديره ذكر وقت إذ تأذن. قوله : (أعلم) مفعوله محذوف ، والتقدير أعلم ربك أسلافهم. قوله : (لَيَبْعَثَنَ) أي ليسلطن عليهم. قوله : (مَنْ يَسُومُهُمْ) أي يذيقهم. قوله : (بختنصر) علم مركب تركيبا مزجيا كبعلبك ، فإعرابه على الجزء الثاني ، والأول ملازم للفتح ، وهو غير منصرف للعلمية ، والتركيب المزجي. وبخت معناه في الأصل ابن ، ونصر اسم صنم ، سمي بذلك لأنه وجد وهو صغير مطروحا عند ذلك الصنم. قوله : (وسباهم) أي سبى نساءهم وصغارهم. قوله : (وضرب عليهم الجزية) أي عن من لم يقاتل منهم. قوله : (فضربها عليهم) أي لا تزال كذلك إلى نزول عيسى ، فلا يقبل منهم إلا الإسلام. قوله : (إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقابِ) أي إذا تعلقت إرادته به ، وإلا فهو واسع الحلم. قوله : (وَقَطَّعْناهُمْ) أي بني إسرائيل الكائنين قبل زمن النبي صلىاللهعليهوسلم. قوله : (وَمِنْهُمْ دُونَ ذلِكَ) قدر المفسر (ناس) إشارة إلى أن (دُونَ) نعت لمنعوت محذوف ، وهو كثير إذا كان التفصيل بمن ، كقولهم : منا ظعن ومنا أقام ، أي منا فريق ظعن ، ومنا فريق أقام.