الْإِثْمَ) الكذب (وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ ما كانُوا يَصْنَعُونَ) (٦٣) ه ترك نهيهم (وَقالَتِ الْيَهُودُ) لما ضيق عليهم بتكذيبهم النبي صلىاللهعليهوسلم بعد أن كانوا أكثر الناس مالا (يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ) مقبوضة عن إدرار الرزق علينا كنوا به عن البخل تعالى الله عن ذلك قال تعالى (غُلَّتْ) أمسكت (أَيْدِيهِمْ) عن فعل الخيرات دعاء عليهم (وَلُعِنُوا بِما قالُوا بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ) مبالغة في الوصف بالجود وثني اليد لإفادة الكثرة إذا غاية ما يبذله السخي من ماله أن يعطي بيديه (يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ) من
____________________________________
الصنع أبلغ من العمل ، إذ هو عمل مع إتقان ، فذمهم بأبلغ وجه ، وكل آية وردت في الكفار فإنها تجر بذيلها على عصاة المؤمنين ، قال ابن عباس : هذه أشد آية في القرآن ، يعني في حق العلماء. وقال الضحاك : ما في القرآن أخوف آية عندي منها.
قوله : (وَقالَتِ الْيَهُودُ) أي بعضهم وهو فنحاص بن عازوراء ، وإنما نسب القول لهم عموما لرضاهم به ولم ينهوا عنه. قوله : (بتكذيبهم) الباء سببية. قوله : (بعد أن كانوا أكثر الناس مالا) أي وأخصب أرضا. قوله : (مقبوضة) أي ممسوكة عن بسط العطاء لنا. قوله : (كنوا به عن البخل) أي لأنه يلزم من قبض اليد عن الإعطاء للمستحقين البخل. قوله : (تعالى الله عن ذلك) أي تنزه سبحانه عن ما وصفوه به من البخل ، لأن البخل هو منع المستحق من حقه ، وليس لأحد حق على الله تعالى ، بل هو الكريم الحقيقي الذي عم عطاؤه والطائع والعاصي لا لغرض ولا لعوض. قوله : (دعاء) إما بالرفع خبر لمحذوف والتقدير هو دعاء ، أي طلب من نفسه بنفسه غلول أيديهم ، ويصح النصب على أنه مفعول لأجله ، أي قال تعالى لأجل الدعاء عليهم.
قوله : (وَلُعِنُوا) معطوف على (غُلَّتْ) فهو في حين الدعاء ، فبسبب هذه المقالة صاروا أشقياء آيسين من رحمة الله ، فلم يوفقوا لفعل خير بعد ذلك أبدا ، وطردوا عن رحمة الله في الدنيا والآخرة. قوله : (بَلْ يَداهُ) إضراب إبطالي ، ويداه مبتدأ ، و (مَبْسُوطَتانِ) خبره ، وجملة ينفق : إما خبر ثان أو استئناف بياني ، وكيف اسم شرط ، ويشاء فعل الشرط ، ومفعوله محذوف تقديره الإنفاق له ، وجوب الشرط محذوف دل عليه قوله ينفق. قوله : (مبالغة في الوصف بالجود) أي الإعطاء الكثير الذي عم الطائع والعاصي ، واعلم أن معاملة الله للمؤمنين بالفضل إعطاء أو منعا ، لأنه ما منعهم عطاء الدنيا إلا لكونه ادخر لهم ما هو أعظم منه في الآخرة ، وأما معاملته للكفار ، فبالفضل عند الإعطاء ، وبالعدل عند المنع ، فلا يوصف بالبخل على كل حال تنزه الله عنه ، لأن البخل هو منع المستحق من حقه ، وتعالى الله عن أن يكون لأحد حق عليه. قوله : (وثني اليد الخ) أي فذكر اليدين مشاكلة ، والتثنية كناية عن كثرة العطاء ، لكن على مراده هو ، لا على مراد عبيده ، لأنه ليس لأحد حق عليه يطلبه منه ، ثم في إطلاق اليد على الله طريقتان : طريقة السلف أن اليد صفة من صفاته أزلية ، كالسمع والبصر ، ينشأ عنها الخير لا الشر ، فهي أخص من القدرة ، لأن القدرة ينشأ عنها جميع الممكنات ، إيجادا وإعداما ، خيرا أو شرا ، ولا يعلمها إلا هو ، ويشهد لما قلنا. قوله تعالى : (قالَ يا إِبْلِيسُ ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَ) أي اصطفيته ، ولم يقل بقدرتي ، وطريقة الخلف أن اليد تطلق بمعنى الجارحة ، وهي مستحيلة على الله ، وتطلق على القدرة والنعمة والملك ، ويصح إرادة كل منهما في حق الله. إن قلت : على تفسيرها بالقدرة أو النعمة ، فلم ثنيت