يرجعن بالهجران (فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ) فيما يراد منهن (فَلا تَبْغُوا) تطلبوا (عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً) طريقا إلى ضربهن ظلما (إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً) (٣٤) فاحذروه أن يعاقبكم إن ظلمتموهن (وَإِنْ خِفْتُمْ) علمتم (شِقاقَ) خلاف (بَيْنِهِما) بين الزوجين والإضافة للاتساع أي شقاقا بينهما (فَابْعَثُوا) اليهما برضاهما (حَكَماً) رجلا عدلا (مِنْ أَهْلِهِ) أقاربه (وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها) ويوكل الزوج حكمه في طلاق وقبول عوض عليه وتوكل هي حكمها في الاختلاع فيجتهدان ويأمران الظالم بالرجوع أو يفرقان إن رأياه قال تعالى (إِنْ يُرِيدا) أي الحكمان (إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُما) بين الزوجين أي يقدرهما على ما هو الطاعة من إصلاح أو فراق (إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً) بكل شيء (خَبِيراً) (٣٥) بالبواطن كالظواهر (وَاعْبُدُوا اللهَ) وحدوه (وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَ) أحسنوا (بِالْوالِدَيْنِ
____________________________________
وأما الوعظ فلا يشترط فيه تحقق النشوز ، ولا ظن الإفادة. قوله : (طريقا إلى ضربهن ظلما) أي كأن توبخوهن على ما كان منهن ، فيلجأ الأمر إلى الخصام والضرب ، فإن عدن للنشوز رجع الترتيب الأول ، ولا يضربن من أول وهلة. قوله : (فاحذروه أن يعاقبكم إن ظلمتوهن) أي فالمطلوب أن تستوصوا بهن خيرا ، لما في الحديث : «استوصوا بالنساء خيرا ، فإن المرأة خلقت من ضلع وإن أعوج ما في الضلع أعلاه ، فإن ذهبت تقيمه كسرته ، وإن تركته لم يزل أعوج ، فاستوصوا بالنساء خيرا».
قوله : (وَإِنْ خِفْتُمْ) الخطاب لولاة الأمور أو لأشراف البلدة التي هما بها. قوله : (والإضافة للإتّساع) أي والأصل شقاقا بينهما ، فأضيف المصدر إلى ظرفه مثل مكر الليل. قوله : (حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها) أي إن وجد كل من الأهلين معا ، فإن لم يوجدا ، أو وجد أحدهما دون الآخر ، اختار ولي الأمر رجلين ، وبعثهما واحدا عنها وواحدا عنه ، واعلم أن كون الحكمين من الأهلين عند وجودهما ، مندوب عند الشافعي ، واجب عند مالك. قوله : (إن رأياه) أي صوابا ومصلحة. قوله : (أي الحكمان) ويحتمل أن يعود الضمير على الزوجين ، والمعنى أن يرد الزوجان إصلاحا معاشرة بالمعروف وترك ما يسيء تحصل الموافقة بينهما ، وقوله : (بين الزوجين) ويحتمل أن يعود على الحكمين ، والمعنى لا يحصل اختلاف بين الحكمين ، بل تحصل الموافقة بينهما ، فيحكمان بما أنزل الله ، فتحصل أن الضميرين يصح عودهما معا على الزوجين أو الحكمين ، أو الأول للزوجين ، والثاني للحكمين وبالعكس ، وقوله : (إِصْلاحاً) أي مصلحة ، وإليه يشير قول المفسر بعد ذلك من إصلاح أو فراق.
قوله : (وَاعْبُدُوا اللهَ) الخطاب للمكلفين ، لأن العبادة تتوقف على معرفة المعبود والنية ، ولكن المراد ما يشمل القربة التي هي ما تتوقف على معرفة المتقرب إليه ، والطاعة التي لا تتوقف على شيء. قوله : (وحدوه) حيث فسر العبادة بالتوحيد ، كان قوله بعد ذلك : (وَلا تُشْرِكُوا) تأكيدا ، ولكن الأولى التعميم كما قدمناه ، فيكون قوله : (وَلا تُشْرِكُوا) تأسيسا ، وهذا نظير قوله تعالى : (فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً).
قوله : (وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً) يحتمل أن شيئا مفعول به ، والمعنى لا تشركوا به شيئا من الأشياء صنما أو غيره ، ويحتمل أنه مفعول مطلق صفة لمصدر محذوف ، والمعنى إشراكا شيئا جليا أو خفيا كالرياء والسمعة. قوله : (وَبِالْوالِدَيْنِ) قرن بر الوالدين بعبادة الله ، إشارة لتأكد حقهما وتخويفا من عقوقهما ،