ميت معه حتى وأراه (لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوارِي) يستر (سَوْأَةَ) جيفة (أَخِيهِ قالَ يا وَيْلَتى أَعَجَزْتُ) عن (أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذَا الْغُرابِ فَأُوارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ) (٣١) على حمله وحفر له وواراه (مِنْ أَجْلِ ذلِكَ) الذي فعله قابيل (كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنَّهُ) أي الشأن (مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ) قتلها (أَوْ) بغير (فَسادٍ) أتاه (فِي الْأَرْضِ) من كفر أو زنا أو قطع طريق أو نحوه (فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْياها) بأن امتنع من قتلها (فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً) قال ابن عباس من حيث انتهاك حرمتها وصونها (وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ) أي بني إسرائيل (رُسُلُنا بِالْبَيِّناتِ) المعجزات (ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ) (٣٢) مجاوزون الحد بالكفر والقتل وغير ذلك ونزل في العرنيين لما قدموا المدينة وهم مرضى فأذن لهم
____________________________________
رقيبا ، فقال الله له : إن دم أخيك ليناديني من الأرض ، فلم قتلت أخاك؟ فقال : فأين دمه إن كنت قتلته ، فحرم الله على الأرض من يومئذ أن تشرب دما بعده أبدا. ويروى أنه لما قتل قابيل هابيل كان آدم بمكة ، فاشتاك الشجر أي ظهر له شوك ، وتغيرت الأطعمة وحمضت الفواكه ، واغبرت الأرض ، فقال آدم : قد حدث في الأرض حادث ، فلما رجع آدم سأل قابيل عن أخيه فقال : ما كنت عليه وكيلا ، فقال : بل قتلته ولذلك أسود جلدك ، فغضب عليه فذهب قابيل مطرودا ، فأخذ أخته وهرب بها إلى عدن ، فأتاه إبليس وقال له : إنما أكلت من النار قربان هابيل لأنه كان يعبد النار ، فانصب أنت نارا تكون لك ولعقبك ، فبنى بيت النار فهو أول من عبد النار ، وكان قابيل لا يمر به أحد إلا رماه بالحجارة ، فأقبل ابن لقابيل أعمى ومعه ابنه ، فقال ابن الأعمى لأبيه : هذا أبوك قابيل ، فرماه بحجارة فقتله ، فقال ابن الأعمى لأبيه : قتلت أباك قابيل ، فرفع الأعمى يده ولطم ابنه فمات ، فقال الأعمى : ويل لي قتلت أبي برميتي ، وابني بلطمتي ، واستمرت ذرية قابيل يفسدون في الأرض ، إلى أن جاء طوفان نوح فأغرقهم جميعا ، فلم يبق منهم أحد ولله الحمد ، وأبقى الله ذرية شيت إلى يوم القيامة ، وما مات آدم حتى رأى من ذريته أربعين ألفا. قوله : (ويثيره على غراب ميت معه) أي بعد أن وضعه في الحفرة التي نبشها.
قوله : (يا وَيْلَتى) كلمة تحسر ، والألف بدل من ياء المتكلم ، أي هذا أوانك فاحضري. قوله : (أَعَجَزْتُ) تعجب من عدم اهتدائه إلى ما اهتدى إليه الغراب. قوله : (فَأَصْبَحَ) أي صار من النادمين على حمله ، أي أو على عدم اهتدائه للدفن أو لا ، فلا يقال إن الندم توبة ، فيقتضي أنه تاب فلا يخلد في النار. قوله : (الذي فعله قابيل) أي من الفساد. قوله : (كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ) إنما خصهم بالذكر ، وإن كان القصاص في كل ملة ، لأن اليهود مع علمهم بهذه المبالغة العظيمة ، أقدموا على قتل الأنبياء والأولياء ، وذلك يدل على قسوة قلوبهم.
قوله : (وَمَنْ أَحْياها) أي تسبب في بقائها ، إما بنهي قاتلها عن قتلها ، أو بإطعامها وحفظها من الأسباب المهلكة. قوله : (أي من حيث انتهاك حرمتها) أي النفوس المقتولة ، ولذا ورد في الحديث : «من سنّ سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة» فقابل عليه وزر كل من وقع منه القتل من بني آدم لتسببه في ذلك ، فإنه أول من وقع منه القتل. قوله : (ونزل) وجه المناسبة بينها وبين قصة ابني آدم ظاهرة ، لأن قابيل قتل وأفسد في الأرض هو وذريته. قوله : (في العرنيين) جمع عرني نسبة لعرينة قبيلة من العرب ، كجهني نسبة لجهينة ، وكانوا ثمانية رجال قدموا المدينة وأظهروا الإسلام وكانوا مرضى ، فاشتكوا