النبي صلىاللهعليهوسلم أن يخرجوا إلى الإبل ويشربوا من أبوالها وألبانها فلما صحوا قتلوا راعي النبي صلىاللهعليهوسلم واستاقوا الإبل (إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ) بمحاربة المسلمين (وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً) بقطع الطريق (أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ) أي أيديهم اليمنى وأرجلهم اليسرى (أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ) أو لترتيب الأحوال فالقتل لمن قتل فقط والصلب لمن قتل وأخذ المال والقطع لمن أخذ المال ولم يقتل والنفي لمن أخاف فقط قاله ابن عباس وعليه الشافعي وأصح قوليه أن الصلب ثلاثا بعد القتل وقيل قبله قليلا ويلحق بالنفي ما أشبهه
____________________________________
له صلىاللهعليهوسلم من مرضهم ، فأمرهم أن يخرجوا إلى إبل الصدقة ، وكانت خمسة عشر ترعى في الجبل مع عتيق للمصطفى يقال له يسار النوبي ، فلما صحوا قتلوا الراعي واستاقوا الإبل وارتدوا عن الإسلام ، فقد وقع منهم المحاربة والقتل والسرقة والارتداد ، فبلغ رسول الله خبرهم ، فأرسل خلفهم نحو عشرين فارسا ، فأتوا بهم فأمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم بقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف ، وسمر أعينهم أي كحلهم بالنار ، وتركهم بالحرة يعضون الحجارة ويستسقون فلم يسقهم أحد. إن قلت : تسمير الأعين وموتهم بالجوع والعطش مثلة ورسول الله نهى عنها. أجيب بأجوبة منها : أنهم فعلوا بالراعي كذلك ، ومنها أن ذلك خصوصية له صلىاللهعليهوسلم فيهم ، ومنها أن ذلك كان جائزا ثم نسخ. قوله : (ويشربوا من أبوالها) أخذ مالك من ذلك طهارة فضلة مأكول اللحم. قوله : (بمحاربة المسلمين) أشار بذلك إلى أن الكلام على حذف مضاف تقديره يحاربون أولياء الله وأولياء رسوله وهم المسلمون ، وأفاد به أن هذا الأمر مستمر إلى يوم القيامة.
قوله : (وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ) هذا تصوير للمحاربة ، وقوله : (فَساداً) مفعول لأجله ، أي يسعون لأجل الفساد. قوله : (بقطع الطريق) أي لأخذ المال أو هتك الحريم أو قتل النفوس. قوله : (أَنْ يُقَتَّلُوا) أي من غير صلب ، وقوله : (أَوْ يُصَلَّبُوا) أي مع القتل في محل مشهور لزجر غيره ، والتفعيل للتكثير لكثرة المحاربين.
قوله : (أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ) أي إلى مسافة القصر فما فوقها. قوله : (أو لترتيب الأحوال) أي التقسيم فيها ، والمعنى أن هذه العقوبات على حسب أحوال المحاربين ، وبينّ المفسر ذلك ، قال بعض العلماء أوفى جميع القرآن للتخيير إلا هذه الآية. قوله : (وعليه الشافعي) أي موافقا في الاجتهاد لابن عباس لا مقلدا له ، وعند مالك أو على بابها للتخيير لكن بحسب ما يراه الحاكم ، فحدود المحارب أربعة لا يجوز الخروج عنها ، وإنما الإمام مخير في فعل أيها شاء بالمحارب ما لم يقتل المحارب مسلما مكافئا ولم يعف وليه فإنه يتعين قتله ، فإن عفا الولي رجع التخيير للإمام ، فما أوجبه الشافعي استحسنه مالك للإمام وجاز غيره ، مثلا يجب على الإمام قتل القاتل ، ولا يجوز غيره من الصلب والقطع من خلاف عند الشافعي ، واستحسنه مالك للإمام ويجوز غيره من الحدود. قوله : (إن الصلب ثلاثا) أي لا أقل إلا أن يخاف التغيير ، وقيل يطال به حتى ينقطع جسده. قوله : (وقيل قبله قليلا) أي بحيث يحصل الزجر به ، وهذا مشهور مذهب مالك وأبي حنيفة وعليه فيقتل وهو مصلوب. قوله : (ويلحق بالنفي ما أشبهه) أي لأن المقصود من النفي البعد عن الخلق ، وذلك كما يحصل بإبعاده من الأرض التي هو بها يحصل بحبسه ، ولو في الأرض التي هو بها ، وهذا مذهب الشافعي ووافقه أبو حنيفة ، وقال مالك النفي إبعاده من الأرض على مسافة القصر ، ولا يكفي حبسه بأرضه.