مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) من أهل مكة بغضا لك (لَبِئْسَ ما قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ) من العمل لمعادهم الموجب لهم (أَنْ سَخِطَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذابِ هُمْ خالِدُونَ) (٨٠) (وَلَوْ كانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالنَّبِيِ) محمد (وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ) أي الكفار (أَوْلِياءَ وَلكِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ فاسِقُونَ) (٨١) خارجون عن الإيمان (لَتَجِدَنَ) يا محمد (أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا) من أهل مكة لتضاعف كفرهم وجهلهم وانهماكهم في اتباع الهوى (وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى ذلِكَ) أي قرب مودتهم للمؤمنين (بِأَنَ) بسبب أن (مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ) علماء (وَرُهْباناً) عبادا (وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ) (٨٢) عن
____________________________________
قوله : (تَرى) أي تبصر وقوله : (كَثِيراً مِنْهُمْ) أي أهل الكتاب. قوله : (يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) أي يوالونهم ويصادقونهم. قوله : (بغضا لك) مفعول لأجله أي من أجل بغضك. قوله : (لَبِئْسَ ما قَدَّمَتْ) اللام موطئة للقسم وبئس كلمة ذم وما فاعل قدمت صلته ، والعائد محذوف أي قدمته ، وأنفسهم فاعل قدمت ، وقوله : (أَنْ سَخِطَ اللهُ عَلَيْهِمْ) هو المخصوص بالذم ، لكن على حذف مضاف تقديره موجب أن سخط الله ، والمعنى أن ما قدمت لهم أنفسهم من الضلال تسبب عن سخط الله ، وتسبب عن سخط الله الخلود في النار. قوله : (من العمل) بيان لما. قوله : (وَفِي الْعَذابِ هُمْ خالِدُونَ) هذه الجملة معطوفة على جملة أن سخط الله عليهم ، فهي من جملة المخصوص بالذم ، فالمعنى موجب سخط الله والخلود في النار.
قوله : (وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِ) أي وهو القرآن. قوله : (مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِياءَ) أي أنصارا يوالونهم وقد فعلوا ذلك ، فكانوا يأخذون الهدايا لكفار مكة ويصادقونهم ويتوددون إليهم خوفا من زوال عزهم ورياستهم. قوله : (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً) كلام مستأنف سيق للتقبيح على اليهود والتشنيع عليهم ، واللام موطئة لقسم محذوف ، وأشد مفعول أول لتجدن ، وعداوة منصوب على التمييز ، و (لِلَّذِينَ آمَنُوا) متعلق بعداوة أو بمحذوف صفة لعداوة ، واليهود مفعول ثان هكذا أعربوا ، والأقرب أن أشد مفعول ثان مقدم ، واليهود مفعول أول مؤخر. قوله : (وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا) معطوف على اليهود. وقوله : (لتضاعف كفرهم) علة لقوله أشد. وقوله : (وجهلهم) أي وتضاعف جهلهم. قوله : (وانهماكهم في اتباع الهوى) عطف على تضاعف عطف علة على معلول ، والهوى بالقصر ما تهواه النفس وتميل إليه.
قوله : (وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ) يقال في إعرابه ما قيل في الذي قبله من أن أقرب مفعول ثان ، والذين قالوا مفعول أول ، ومودة تمييز ، وللذين صفة للمودة أو متعلق به. قوله : (الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى) أي أنصار دين الله. إن قلت : مقتضى الآية مدح النصارى وذم لليهود ، مع أن كفر النصارى أشد لأنهم ينازعون في الربوبية واليهود أخف منهم لأنهم ينازعون في النبوة ، أجيب بأن مدح النصارى من جهة قرب مودتهم للمسلمين ، وذم اليهود من حيث إنهم أشد عداوة للمسلمين ، وذلك لا يقتضي شدة الكفر ولا عدمها ، وأيضا الحرص في اليهود دون النصارى ، وأيضا مذهب اليهود أن إيصال الشر والأذى إلى من خالفهم في الدين قربة ، ومذهب النصارى أنه حرام. قوله : (ذلِكَ) اسم الإشارة مبتدأ ، و (بِأَنَّ مِنْهُمْ) خبر ، و (قِسِّيسِينَ) اسم إن ، ومنهم متعلق بمحذوف خبر إن (وَرُهْباناً) معطوف على قسيسين