اتباع الحق كما يستكبر اليهود وأهل مكة نزلت في وفد النجاشي القادمين عليهم من الحبشة قرأ صلىاللهعليهوسلم سورة
____________________________________
وقوله : (وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ) معطوف على قسيسين. قوله : (أي قرب مودتهم) أشار بذلك إلى مرجع اسم الإشارة. قوله : (بسبب) أشار بذلك إلى أن الباء سببية.
قوله : (قِسِّيسِينَ) جمع قسيس من يقيس الشيء إذا تتبعه ، يقال قس الأثر وقصه فهو أعجمي معرب ، ويقال قس ، وقس بفتح القاف وكسرها وهو عالم النصارى. قوله : (وَرُهْباناً) جمع راهب وهو الزاهد التارك للدنيا وشهواتها. قوله : (نزلت في وفد النجاشي) أي واسمه أصحمة وقيل صحمة. وحاصل ذلك : أنه سنة خمس من البعثة ، اشتد أذى الكفار لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ولمن أسلم ، ولم يكن أمر بجهاد ، فأمر الصحابة الذين لا غزوة لهم بالخروج إلى أرض الحبشة ، وهي الهجرة الأولى ، وقال إن بها ملكا صالحا لا يظلم عنده أحد ، فأخرجوا إليه حتى يجعل الله للمسلمين فرجا ، فخرج إليها أحد عشر رجلا وأربع نسوة سرا ، منهم عثمان بن عفان وزوجته رقية بنت رسول الله صلىاللهعليهوسلم فخرجوا إلى البحر ، وأخذوا سفينة بنصف دينار إلى أرض الحبشة ، وذلك في رجب ، ثم تتابع المسلمون فكانوا اثنين وثمانين رجلا سوى النساء والصبيان ، فلما كانت وقعة بدر وقتل فيها صناديد الكفار ، قال كفار قريش : إن ثأركم بأرض الحبشة فأهدوا إلى النجاشي ، وابعثوا إليه رجلين من ذوي رأيكم لعله يعطيكم من عنده لتقتلوهم بمن قتل منكم ببدر ، فبعث كفار قريش عمرو بن العاص وعبد الله بن ربيعة ، فقالا له : أيها الملك إنه قد خرج فينا رجل سفه عقول قريش وأحلامهم وزعم أنه نبي ، وأنه قد بعث إليك برهط من أصحابه ليفسدوا عليك قومك ، فأحببنا أن نأتيك ونخبرك خبرهم ، وإن قومنا يسألونك أن تردهم إليهم ، فقال : حتى نسألهم ، فأمر بهم فاحضروا ، فلما أتوا باب النجاشي قالوا يستأذن أولياء الله فقال : ائذنوا لهم فمرحبا بأولياء الله ، فلما دخلوا عليه سلموا ، فقال الرهط من المشركين أيها الملك ألا ترى أنا صدقناك إنهم لم يحيوك بتحيتك التي تحيا بها ، فقال لهم الملك : ما منعكم أن تحيوني؟ قالوا : إنا حييناك بتحية أهل الجنة وتحية الملائكة ، فقال لهم النجاشي : ما يقول صاحبكم في عيسى وأمه؟ فقال جعفر بن أبي طالب : يقول هو عبد الله ورسوله وكلمة الله وروح منه ألقاها إلى مريم العذراء ، ويقول في مريم إنها العذراء البتول ، قال فأخذ النجاشي عودا من الأرض وقال : والله ما زاد صاحبكم على ما قال عيسى قدر هذا العود فكره المشركون قوله وتغيرت وجوههم ، فقال : هل تعرفون شيئا مما أنزل على صاحبكم؟ قالوا نعم ، قال : اقرؤوا فقرأ جعفر سورة مريم ، وهناك قسيسون ورهبانيون وسائر النصارى ، فعرفوا ما قرأ فانحدرت دموعهم مما عرفوا من الحق ، فأنزل الله تعالى فيهم (ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ) الخ الآيتين ، فقال النجاشي لجعفر وأصحابه : اذهبوا فأنتم بأرضي آمنون ، وفي بعض الروايات أن عمرا أسلم على يد النجاشي. وبذلك يلغز فيقال صحابي أسلم على يد تابعي ، لأن النجاشي لم يجتمع برسول الله صلىاللهعليهوسلم وعمرو اجتمع به بعد مقدمه من الحبشة ، وأقام المسلمون عند النجاشي بخير دار وخير جوار ، إلى أن هاجر رسول الله إلى المدينة وعلا أمره وقهر أعداءه ، وذلك سنة ست من الهجرة ، وكتب رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى النجاشي على يد عمرو بن أمية الضمري أن يزوجه أم حبيبة بنت أبي سفيان وكانت هاجرت مع زوجها ومات عنها ، فأرسل النجاشي جارية يقال لها أبرهة إلى أم حبيبة يخبرها أن رسول الله قد خطبها فسرت بذلك وأعطت الجارية أوضاحا كانت لها ، وأذنت لخالد بن سعيد في نكاحها فأنكحها لرسول الله على