ذلك (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ) أي عالم (مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (١١٧) فيجازي كلا منهم (فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) أي ذبح على اسمه (إِنْ كُنْتُمْ بِآياتِهِ مُؤْمِنِينَ) (١١٨) (وَما لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) من الذبائح (وَقَدْ فَصَّلَ) بالبناء للمفعول وللفاعل في الفعلين (لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ) في آية حرمت عليكم الميتة (إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ) منه فهو أيضا حلال لكم المعنى لا مانع لكم من أكل ما ذكر وقد بين لكم المحرم أكله وهذا ليس منه (وَإِنَ
____________________________________
الله قتلها. قالوا : أنت تزعم أن ما قتلت أنت وأصحابك حلال ، وما قتلها الكلب والصقر حلال ، وما قتله الله حرام ، فكيف تدعون أنكم تعبدون الله ولا تأكلون ما قتله ربكم؟ فما قتله الله أحق أن تأكلوه مما قتلتم أنتم. قوله : (إِلَّا يَخْرُصُونَ) الخرص في الأصل الحزر والتخمين ، ومنه خرص النخلة ، وقوله : (يكذبون) سمى الخرص كذبا لأن فيه تتبع الظنون الكاذبة. قوله : (في ذلك) أي في قولهم ما قتل الله أحق أن تأكلوه مما قتلتم. قوله : (أي عالم) دفع بذلك ما يقال إن أفعل التفضيل بعض ما يضاف إليه ، فأجاب : بأن اسم التفضيل مؤول اسم الفاعل. وأجيب أيضا : بأن قوله : (مَنْ يَضِلُ) مفعول لمحذوف تقديره يعلم من يضل ، أو منصوب بنزع الخافض ، والتقدير بمن يضل يدل عليه قوله بعد (وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ).
قوله : (فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) هذا رد لقولهم المتقدم ، فإن الميتة لم يذكر عليها اسم الله ، فعند مالك الوجوب مع الذكر ، وعند الشافعي السنية ، والمراد بذكر اسم الله هنا ، عدم ذكر اسم غيره كالأصنام ، ليدخل ما إذا نسي التسمية فإنها تؤكل ، وسيأتي إيضاح ذلك. قوله : (وَما لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا) هذا تأكيد لإباحة ما ذبح على اسم الله ، وما اسم استفهام مبتدأ ، ولكم خبره ، والتقدير أي شيء ثبت لكم في عدم أكلكم الخ.
قوله : (وَقَدْ فَصَّلَ) أي بين وميز ، والواو للحال. قوله : (بالبناء للمفعول وللفاعل) أي فهما قراءتان سبعيتان ، وبقي ثالثة ، وهي بناء الأول للفاعل ، والثاني للمفعول. قوله : (في الفعلين) أي فصل وحرم. قوله : (في آية حرمت عليكم الميتة) أي التي ذكرت في المائدة ، وفي المقام إشكال أورده فخر الدين الرازي ، وهو أن سورة الأنعام مكية ، وسورة المائدة مدنية ، من آخر القرآن نزولا بالمدينة. وأجيب : بأن الله علم أن سورة المائدة متقدمة على سورة الأنعام في الترتيب لا في النزول ، فبهذا الاعتبار حسنت الحوالة عليها لسبقية علم الله بذلك ، وقال بعضهم : الأولى أن يقال وقد فصل لكم الخ. أي في قوله : (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً) الآية ، وهذه وإن كانت مذكورة بعد ، إلا أنه لا يمنع الاستدلال بها للاتحاد في وقت النزول.
قوله : (إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ) استثناء منقطع ، لأن ما اضطر إليه ليس داخلا في المحرم. قوله : (فهو أيضا حلال لكم) أي وهل يشبع ويتزود منها ، ويقتصر على ما يسد الرمق ، خلال بين العلماء. قوله : (المعنى لا مانع الخ) أشار بذلك إلى أن الاستفهام إنكاري. قوله : (وهذا ليس منه) أي من المحرم ، وأما ما لم ينص على حرمته ولا حله من قبيل الحل ، لأنه ذكر أشياء واستثنى الحرام منها ، فالحرام معدود معروف ، فمثل القهوة والدخان غير محرم ، إلا أن يطرأ له ما يحرمه ، كالاسراف وتغييب العقل. وحاصل