أَعْلَمُ بِأَعْدائِكُمْ) منكم فيخبركم بهم لتجتنبوهم (وَكَفى بِاللهِ وَلِيًّا) حافظا لكم منهم (وَكَفى بِاللهِ نَصِيراً) (٤٥) مانعا لكم من كيدهم (مِنَ الَّذِينَ هادُوا) قوم (يُحَرِّفُونَ) يغيرون (الْكَلِمَ) الذي أنزل الله في التوراة من نعت محمد صلىاللهعليهوسلم (عَنْ مَواضِعِهِ) التي وضع عليها (وَيَقُولُونَ) للنبي صلىاللهعليهوسلم إذا أمرهم بشيء (سَمِعْنا) قولك (وَعَصَيْنا) أمرك (وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ) حال بمعنى الدعاء أي لا سمعت (وَ) يقولون له (راعِنا) وقد نهى عن خطابه بها وهي كلمة سب بلغتهم (لَيًّا) تحريفا (بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً) قدحا
____________________________________
قوله : (وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ) هذا ترق في التعجيب. والمعنى أنهم اختاروا الضلالة لأنفسهم ، ومع ذلك يحبونها لغيرهم ، قال تعالى : (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَواءً) روي عن ابن عباس أن هذه الآية نزلت في حبرين من أحبار اليهود ، كانا يأتيان رأس المنافقين عبد الله بن أبي رهطة يثبطانهم عن الإسلام ، وعنه أيضا أنه نزلت في رفاعة بن زيد ومالك بن دخشم ، كانا إذا تكلم رسول الله صلىاللهعليهوسلم لويا لسانهما وعاباه. قوله : (لتجتنبوهم) أي لتتحرزوا منهم. قوله : (وَكَفى بِاللهِ) الباء حرف جر زائد ، ولفظ الجلالة فاعل كفى. قوله : (وَكَفى بِاللهِ نَصِيراً) تأكيدا لما قبله وهو معنى قوله تعالى : (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ).
قوله : (مِنَ الَّذِينَ هادُوا) خبر مقدم لمبتدأ محذوف ، قدره المفسر بقوله قوم ، وقوله : (يُحَرِّفُونَ) نعت لذلك المحذوف ، وحذف المنعوت كثير إن تقدمه من التبعيضية على حد : منا ظعن ومنا أقام ، أي فريق ظعن ، وفريق أقام ، وهذا الكلام تفصيل لبعض قبائحهم. قوله : (الْكَلِمَ) أي الكلام. قوله : (من نعت محمد) أي من كونه أبيض مشربا بحمرة ، ليس بالطويل البائن ، ولا بالقصير مثلا ، فقد حرفوه وقالوا أسود اللون ، طويل جدا ، حرصا على الرياسة ، وعلى ما يأخذونه من سفلتهم ، ومن جملة ما غيروه آية الرجم بالجلد. ومن ذلك أنه في كتبهم من خالف محمدا خلد في النار ، فغيروه وقالوا لن تمسنا النار إلا أربعين يوما ، مدة عبادة العجل.
قوله : (وَعَصَيْنا) (أمرك) هذا بحسب باطنهم ، وأما بحسب ظاهرهم فمعناه عصينا قول غيرك ، وكذا قوله : (وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ) أي اسمع الخير منا غير سامع ما يؤذيك ، وكذا قوله : (وَراعِنا) أي اشملنا بنظرك ، فهذا من الكلام الموجه الذي يحتمل معنيين مختلفين في المدح والذم. قوله : (أي لا سمعت) يحتمل أن المعنى لا سمعت خيرا ولا سمعت شيئا أصلا بأن تبتلى بالصمم أو الموت. قوله : (وقد نهى عن خطابه بها) أي في قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا) قوله : (وهي كلمة سب بلغتهم) يحتمل أنها موضوعة للسب في لغتهم ، ويحتمل أنهم قصدوا بها السب ، وإن كانت تحتمل الدعاء بخير من الرعاية وهي الحفظ وبشر ومعناها الرعونة وهي الطيش في العقل ، كأنهم يقولون اشملنا برعونتك. قوله : (لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ) أي صرفا للكلام عن ظاهره ، وأصله لويا ، اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون ، قلبت الواو ياء أدغمت في الياء ، وهو في الأصل فتل الحبل ، فشبه به الكلام الذي قصد منه غير ظاهره وطوي ، ذكر المشبه به وهو الحبل المقتول ، ورمز له بشيء من لوازمه وهو اللي ، فإثباته تخييل.