(وَمَكَرَ اللهُ) بهم بأن ألقى شبه عيسى على من قصد قتله فقتلوه ورفع عيسى إلى السماء (وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ) (٥٤) أعلمهم به ، اذكر (إِذْ قالَ اللهُ يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ) قابضك (وَرافِعُكَ إِلَيَ) من الدنيا من غير موت (وَمُطَهِّرُكَ) مبعدك (مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ) صدقوا بنبوتك من المسلمين والنصارى (فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا) بك وهم اليهود يعلونهم بالحجة والسيف
____________________________________
المعجمة وسكون الياء التحتية ، أي يخدع الرجل فيذهب به إلى موضع لا يراه أحد به ويقتله
قوله : (وَمَكَرَ اللهُ) أي جازاهم على مكرهم ، فحيث أضمروا على أخذ عيسى من حيث لا يحتسب ، جازاهم على ذلك وأخذهم من حيث لم يحتسبوا. قوله : (بأن القى شبه عيسى الخ) حاصل ذلك أنهم لما تجمعوا على قتله ، جاءه جبريل فوجده في مكان في سقفه فرجة فرفعه من تلك الفرجة إلى السماء ، وأمر ملك اليهود رجلا اسمه ططيانوس أن يدخل على عيسى فيقتله. فلما دخل فلم يجده خرج وقد القى الله شبه عيسى عليه ، فلما رأوه ظنوه عيسى فقتلوه ، وفتشوا على عيسى فلم يجدوه ، ثم قالوا إذا كان هذا عيسى فأين صاحبنا ، وإذا كان صاحبنا فأين عيسى ، فوقع بينهم قتال عظيم.
قوله : (وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ) أي أقواهم مكرا بحيث يقدر على إيصال الضرر لهم من حيث لم يحتسبوا كما أضمروا ذلك لعيسى ، ولا يقال لله ماكر أو مكار إلا مشاكلة ويؤول بما علمت ، لأن أصل المكر يستعمل في المحتال لأخذ صاحبه لعجزه عنه وهو مستحيل على الله. قوله : (اذكر) (إِذْ قالَ اللهُ) أشار بذلك إلى أن إذ ظرف معمول لمحذوف ، والمعنى أن اليهود لما تجمعوا على قتله وتحيلوا على أخذه جعل الله كيدهم في نحورهم ، وقال الله يا عيسى الخ فهو من تفصيل قوله ومكر الله. قوله : (إِنِّي مُتَوَفِّيكَ) اختلف في التوفي فقيل معناه مبلغك الأمل بأن تبلغ عمرك بتمامه ولا تموت بقتل أحد بل من الله ، وقيل معناه بالنوم أي فرفع إلى السماء وهو نائم فلم يحصل له انزعاج ، وقيل معناه مميتك قابض لروحك لا يقال إنه يقتضي أنه يموت قبل الرفع إلى السماء لأنه يقال إن الواو لا تقتضي ترتيبا ولا تعقيبا فالكلام على التقديم والتأخير ، والمعنى أني رافعك إليّ ومتوفيك بعد ذلك ، والمقصود بشارته بنجاته من اليهود ورفعه إلى السماء ، واعلم أن الأنبياء الذين أمروا بالقتال معصومون من القتل فلا خصوصية لعيسى ، وأما من لم يؤمر به فلا مانع من كون الكفار يقتلونه لأنه مأمور بالصبر ، وذلك كما وقع لزكريا حين نشروه بالشجرة. قوله : (قابضك) (وَرافِعُكَ) أشار بذلك إلى أن عطف ورافعك على متوفيك للتفسير وهو تقدير آخر غير ما تقدم. قوله : (وَرافِعُكَ إِلَيَ) أي إلى كرامتي وأهل قربي. وقوله : (من الدنيا) أراد بها الأرض.
قوله : (وَجاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ) أي أحبوك وانتسبوا لك ، فإن صدقوا بمحمد أيضا وأحبوه أو ماتوا قبل بعثته فقد تم لهم العز دنيا وأخرى ، وإن لم يصدقوا بمحمد ولم يحبوه فقد حازوا على الدنيا. (وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ) فالنصارى لهم عز في الدنيا وسلطنة على اليهود إلى يوم القيامة. قوله : (وهم اليهود) أي فهو عز على خصوص اليهود لا مطلقا ما داموا كفارا ، وذلك أنه لما رفع الله عيسى افترق أصحابه ثلاث فرق ، فقالت فرقة كان الله فينا ثم صعد إلى السماء وهم اليعقوبية ، وقالت أخرى كان فينا ابن الله ثم رفعه إليه وهم النسطورية ، وقالت أخرى كان فينا عبد الله ورسوله ثم رفعه الله إليه وهذه الفرقة هم