رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا) مفسرة (تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَ) أحسنوا (بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ) بالوأد (مِنْ) أجل (إِمْلاقٍ) فقر تخافونه (نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ) الكبائر كالزنا (ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ) أي علانيتها وسرها (وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِ) كالقود وحد الردة ورجم المحصن (ذلِكُمْ) المذكور (وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ
____________________________________
قوله : (ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ) ما اسم موصول ، وحرم صلته ، والعائد محذوف ، وربكم فاعل حرم ، وقوله : (عَلَيْكُمْ) تنازعه كل من أتل وحرم ، أعمل الثاني ، واضمر في الأول وحذف لأنه فضلة. وحاصل ما ذكر في هاتين الآيتين عشرة أشياء : خمسة بصيغ النهي ، وخمسة بصيغ الأمر ، وقدم المنهي عنه لأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح ، ولأن المنهي عنه مأمور باجتنابه مطلقا ، والمأمور به على حسب الاستطاعة لما في الحديث «ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فائتوا منه ما استطعتم». ووسط بينهما الأمر ببر الوالدين اعتناء بشأنه ، لكونه أعظم الواجبات بعد التوحيد ، وهذه العشرة لا تختلف باختلاف الأمم والأعصار ، بل أجمع عليها جميع أهل الأديان ، قال ابن عباس : هذه آيات محكمات ، لم ينسخهن شيء في جميع الكتب ، وهن محرمات على بني آدم كلهم ، وهن أم الكتاب ، من عمل بهن دخل الجنة ، ومن تركهن دخل النار. قوله : «أن» (مفسرة) أي وضابطها موجود ، وهو أن يتقدمها جملة فيها معنى القول دون حروفه ، واستشكل بأن هذا يقتضي أن جميع ما يأتي محرم ، مع أن بعضه مأمور بفعله على سبيل الوجوب. أجيب بأجوبة منها : أن التحريم في المنهي عنه ظاهر وفي المأمور به باعتبار أضدادها ، فالمعنى حرم فعلا وهي المنهيات ، أو تركا وهي المأمورات ، ومنها أن في الكلام حذف الواو مع ما عطفت ، والتقدير ما حرم ربكم عليكم وما أمركم به ، ثم فرع بعد ذلك على المذكور والمحذوف ، والأقرب الأول.
قوله : لا (تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً) أي لا في الأقوال ، ولا في الأفعال ، ولا في الاعتقادات. قوله : (إِحْساناً) مفعول مطلق لفعل محذوف قدره المفسر بقوله : (أحسنوا) والمراد بالوالدين الأب والأم وإن عليا. قوله : (بالوأد) تقدم أنه الدفن بالحياة. قوله : (مِنْ إِمْلاقٍ) يطلق بمعنى الفقر والافلاس والإفساد ، والمراد هنا الأول. قوله : نحن (نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ) هذا في مغنى التعليل للنهي المتقدم ، والمعنى لا تقتلوا أولادكم من أجل حصول فقر ، لأن رزقكم ورزقهم علينا لا على غيرنا ، وقال هنا : (مِنْ إِمْلاقٍ) ، وقال في الإسراء : (خَشْيَةَ إِمْلاقٍ) ، لأن ما هنا في الفقر الحاصل بالفعل ، وما في الإسراء في الفقر المتوقع ، فهو خطاب للأغنياء ، وقدم هنا خطاب الآباء ، وهناك ضمير الأولاد قيل تفننا ، وقيل قدم هنا خطاب الآباء تعجيلا لبشارة الآباء الفقراء بأنهم في ضمان الله ، وقدم هناك ضمير الأولاد ، لتطمئن الآباء بضمان رزق الأولاد ، فهذه الآية تفيد النهي للآباء عن قتل الأولاد ، وإن كانوا متلبسين بالفقر ، والأخرى عن قتلهم وإن كانوا موسرين ، ولكن يخافون وقوع الفقر. قوله : (وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ) هذا أعم مما قبله ، لأن من جملة الفواحش قتل الأولاد. قوله : (أي علانيتها) أي كالقتل والزنا والسرقة وجميع المعاصي الظاهرية ، وقوله : (وسرها) أي كالرياء والعجب والكبر والحسد وجميع المعاصي القلبية.
قوله : (وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ) عطف خاص على عام ، ونكتته الاستثناء بعدة. قوله : (الَّتِي حَرَّمَ اللهُ) مفعول حرم محذوف أي قتلها. قوله : (إِلَّا بِالْحَقِ) في محل نصب على الحال ، أو صفة لمصدر