محله (فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ) اتركوا وطأهن (فِي الْمَحِيضِ) أي وقته أو مكانه (وَلا تَقْرَبُوهُنَ) بالجماع (حَتَّى يَطْهُرْنَ) بسكون الطاء وتشديدها والهاء وفيه إدغام التاء في الأصل في الطاء أي يغتسلن بعد انقطاعه (فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَ) بالجماع (مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ) بتجنبه في الحيض وهو القبل ولا تعدوه إلى غيره (إِنَّ اللهَ يُحِبُ) يثيب ويكرم (التَّوَّابِينَ) من الذنوب (وَيُحِبُ
____________________________________
اليهود كانوا يعتزلون النساء في المحيض بالمرة ، حتى إنه لا يبيت في مكان فيه حائض ، ولا تصنع له حاجة أبدا ، ثم اقتدت بهم الجاهلية ، وأما النصارى فبخلاف ذلك فإنهم كانوا لا يفرقون بين كونها حائضا أو لا ، فبين الله أن شرعنا بين ذلك قواما. قوله : (أي الحيض أو مكانه) أعلم أن المحيض مصدر ميمي يصلح للزمان والمكان ، فقوله أو مكانه أي أو زمانه ، والحيض لغة السيلان يقال حاض الوادي إذا سأل ، واصطلاحا دم أو صفرة أو كدرة خرج من قبل من تحمل عادة حالة الصحة والاعتياد ، فخرج بقولنا دم الخ القصة البيضاء فإنها علامة الطهر من الحيض لا نفس الحيض ، وبقولنا من قبل من تحمل عادة أي وهو ما بين الاثنتي عشرة والخمسين سنة ، وأما ما فوق الخمسين إلى الستين من التسعة إلى الاثني عشر يسأل النساء العارفات ، فإن قلن إنه حيض كان حيضا. وإلا فلا خرج به من لا تحمل عادة لصغر أو يأس كبنت ست أو سبعين فليس بحيض ، وقولنا حالة الصحة والاعتياد خرج بذلك ما نزل على وجه المرض كالسلس فليس بحيض إلا أن تميزه بعد طهر تام وأكثره للمبتدأة نصف شهر فإن زاد كان استحاضة ، وللمعتادة عادتها فإن زاد استظهرت عليها بثلاثة أيام ما لم تجاوز نصف شهر وتصير هي مع الاستظهار عادة لها ، وأحكام الحيض مفصلة في الفروع. قوله : (ماذا يفعل بالنساء) هذا هو صورة السؤال.
قوله : (قُلْ هُوَ) أي المحيض بمعنى الدم السائل لا بالمعنى المصدري الذي هو السيلان ففيه استخدام. قوله : (قذر أو محله) لف ونشر مرتب فإن قوله قذر راجع لتفسيره بالمصدر ، وقوله أو محله راجع لتفسيره بالمكان. قوله : (فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ) مفرع على قوله (قُلْ هُوَ أَذىً) ولما نزلت هذه الآية فهم بعض الصحابة أن الاعتزال مطلق حتى في المسكن ، فقال ناس من الأعراب : يا رسول الله البرد شديد والثياب قليلة ، فان آثرناهن هلك سائر أهل البيت ، وإن استأثرنا بها هلكت الحيض ، فقال إنما أمرتم أن تعتزلوا مجامعتهن ولم تؤمروا باخراجهن من البيوت كفعل الأعاجم ، ثم أعلم أنه يحرم وطء الحائض في الفرج باجماع ، وأما التلذذ بما بين السرة والركبة فان كان من الأزار ففيه خلاف ، وأما ما عدا ذلك من سائر الجسد فهو جائز باجماع لما في الحديث : «الحائض تشد إزارها وشأنك بأعلاها». قوله : (أي وقته أو مكانه) تفسير له بالزمان أو المكان. قوله : (بالجماع) أي فالمراد قرب خاص. قوله : (وفيه إدغام التاء في الأصل) أي فأصله يتطهرن فلبت التاء طاء ثم أدغمت في الطاء. قوله : (أي يغتسلن بعد انقطاعه) أي الماء إن كان موجودا وقدرن على استعماله وإلا فالتيمم يقوم مقامه ، ولا يجوز فربانها بعد الانقطاع وقبل الطهر عند الأثمة الثلاثة ، وجوزه أبو حنيفة حيث انقطع بعد مضي أكثره وهو عشرة أيام عنده ، وأما ان انقطع قبل مضي أكثره فلا يجوز قربانها إلا بالغسل أو بمضي وقت الصلاة.
قوله : (مِنْ حَيْثُ) أي في المكان الذي أمركم الله بتجنبه في زمن المحيض. قوله : (ولا تعدوه) بسكون العين وضم الدال ، ويصح فتح العين وتشديد الدال. قوله : (إلى غيره) أي وهو الدبر فلا يجوز الايلاج فيه مطلقا زمن الحيض أو لا. قوله : (التَّوَّابِينَ) أي وهم الذين كلما أذنبوا تابوا. قوله : (من