(تَعْدِلُوا) تميلوا عن الحق (وَإِنْ تَلْوُوا) تحرفوا الشهادة وفي قراءة بحذف الواو الأولى تخفيفا (أَوْ تُعْرِضُوا) عن أدائها (فَإِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً) (١٣٥) فيجازيكم به (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا) داوموا على الإيمان (بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلى رَسُولِهِ) محمد صلىاللهعليهوسلم وهو القرآن (وَالْكِتابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ) على الرسل بمعنى الكتب وفي قراءة بالبناء للفاعل في الفعلين (وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً) (١٣٦) عن الحق (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) بموسى وهم اليهود (ثُمَّ كَفَرُوا) بعبادة العجل (ثُمَّ آمَنُوا) بعده (ثُمَّ كَفَرُوا) بعيسى (ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً) بمحمد (لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ) ما أقاموا عليه (وَلا لِيَهْدِيَهُمْ
____________________________________
قوله : (إِنْ) (لا) (تَعْدِلُوا) تعليل للنهي ، لأن من اتّبع الهوى فقد اتصف بالجور ، ومن ترك أتباعه فلا يتصف به فيصير المعنى انتهوا عن اتباع الهوى لأجل أن لا يحصل منكم جور ، وهذا ما مشى عليه المفسر ، من أن العدل بمعنى الجور ، فاحتاج إلى تقدير لا ، وقال في الكشاف أن العدل ضد الجور ، وعليه فليس فيه تقدير لا ، ولا يصير المعنى انتهوا عن اتباع الهوى لأجل اتصافكم بالعدل وكل صحيح ، والثاني أقرب لعدم لكلفة. قوله : (تحرفوا الشهادة) أي بأن يشهد على خلاف ما يعلم من الدعوى. قوله : (وفي قراءة) أي وهي سبعية أيضا ، وأصل تلووا تلويون استثقلت الضمة على الياء ، فنقلت للواو قبلها بعد سلب حركتها ، حذفت الياء التي هي لام الكلمة ، وحذفت النون للجازم ، فصار وزنه تفعوا ، وعلى القراءة الثانية حذفت عين الكلمة التي هي الواو الأولى بعد نقل ضمتها إلى اللام ، فصار وزنه تفوا ، وفيه إجحاف ، لأنه لم يبق إلا فاؤها.
قوله : (أَوْ تُعْرِضُوا) أي بأن تنكروها من أصلها ، فالعطف مغاير خلافا لمن قال بالترادف. قوله : (فَإِنَّ اللهَ) دليل الجواب ، والجواب محذوف تقديره يعاقبكم على ذلك لأن الله كان بما تعملون خبيرا. قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) الخ ، ذكر هذه الآية بعد الأمر بالعدل من ذكر السبب بعد المسبب ، لأن الإيمان سبب للعدل. قوله : (داوموا) الخ دفع بذلك ما يقال إن فيه تحصيل الحاصل والمعنى داوموا على الإيمان بفعل الطاعات ، لأن فعلها يزيد في الإيمان ، ولا تكونوا ممن بدل وغير ممن سيأتي ذكرهم والتشنيع عليهم. قوله : (بمعنى الكتب) أي فأل للجنس. قوله : (في الفعلين) أي نزل وأنزل ، وفاعل الإنزال هو الله تعالى.
قوله : (وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ) أي بشيء من ذلك بأن أنكر صفة من صفات الله أو سب ملائكته ، أو أنكر الكتب السماوية ، أو سبّ رسله أو أنكر رسالتهم أو لم يصدق باليوم الآخر ، فالكفر بواحد من هذه المذكورات كاف في استحقاق الوعيد ، لأن الإيمان بكل واحد أصل من أصول الدين. قوله : (بعده) أي بعد رجوعه إليهم من المناجاة. قوله : (أقاموا عليه) أي مدة إقامتهم عليه ، ودفع بذلك ما يقال إن ظاهر الآية يقتضي عدم المغفرة لهم ولو تابوا فأفاد أن عدم المغفرة لهم مقيد بمدة إقامتهم على الكفر ، أما إن تابوا ورجعوا عنه فإن الله يقبل توبتهم ، قال تعالى : (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ) وخبر كان في الآية محذوف وهو متعلق اللام تقديره لم يكن الله مريدا ليغفر لهم ، والفعل