انقضاء آجالكم (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ) ألهمه إياها وفي قراءة بنصب آدم ورفع كلمات أي جاءه وهي (رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا) الآية فدعا بها (فَتابَ عَلَيْهِ) قبل توبته (إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ) على عباده
____________________________________
يخرج أهلها منها ولا تكليف فيها ، والثلاثة قد حصلت. أجيب بأن ذلك في الدخول يوم القيامة ، وأما الدخول الأولى فلا يمتنع فيه شيء من ذلك. قوله : (ألهمه إياها) أي فهم آدم من ربه تلك الكلمات. قوله : (وفي قراءة) أي سبعية لابن كثير. قوله : (بنصب آدم) أي على المفعولية ، وقوله : (ورفع كلمات) أي على الفاعلية فتحصل أن التلقي نسبة تصلح للجانبين ، يقال تلقيت زيدا وتلقاني زيد فالمعنى على القراءة الأولى ، تعلم آدم الكلمات فحفظ بسببها من المهالك ، وعلى الثانية الكلمات تلقت آدم من السقوط في المهاوي إذ لولاها لسقط فهي الدواء له ، وأما إبليس فلم يجعل الله له دواء فالكلمات جاءته بالإسعاف وهو جاءها بالقبول والتسليم ، ومن هنا أن الذاكر لا ينتفع بالذكر ولا ينور باطنه إلا إذا كان الشيخ عارفا وأذنه في ذلك ، والذاكر مشتاقا كتلقي آدم الكلمات. قوله : (وهي ربنا ظلمنا أنفسنا إلخ) مشى المفسر على أن المراد بالكلمات المذكورة في سورة الأعراف وهو أحد أقوال ، ولا يقال إن التلقي كان لآدم فقط والدعاء بها صدر منهما ، لأنه يقال إن الخطاب لآدم والمراد هو معها ، وكم من خطاب في القرآن يقصد به الرجال ، والمراد ما يشمل الرجال والنساء ، وقيل إن المراد بالكلمات سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك لا إله إلا أنت ظلمت نفسي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ، وتقدم أن معصية آدم ليست كالمعاصي بل من باب حسنات الأبرار سيئات المقربين ، والحق أن يقال إن ذلك من سر القدر ، فهو منهي عنه ظاهرا لا باطنا ، فإنه في الباطن مأمور بالأولى من قصة الخضر مع موسى وإخوة يوسف معه على أنهم أنبياء ، فإن الله حين قال للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة كان قبل خلقه ، وهذا الأمر مبرم يستحيل تخلفه ، فلما خلقه وأسكنه الجنة أعلمه بالنهي عن الشجرة صورة فهذا النهي صوري ، وأكله من الشجرة جبري لعلمه أن المصلحة مترتبة على أكله ، وإنما سمي معصية نظرا للنهي الظاهري ، فمن حيث الحقيقة لم يقع منه عصيان ، ومن حيث الشريعة وقعت منه المخالفة ، ومن ذلك قول ابن العربي : لو كنت مكان آدم لأكلت الشجرة بتمامها لما ترتب على أكله من الخير العظيم ، وإن لم يكن من ذلك إلا وجود سيدنا محمد صلىاللهعليهوسلم لكفى. ومن هذا المقام قول الجبلي :
ولي نكتة غرا هنا سأقولها |
|
وحق لها أن ترعويها المسامع |
هي الفرق ما بين الولي وفاسق |
|
تنبه لها فالأمر فيه بدائع |
وما هو إلا أنه قبل وقعه |
|
يخبر قلبي بالذي هو واقع |
فأجني الذي يقضيه في مرادها |
|
وعيني لها قبل الفعال تطالع |
فكنت أرى منها الإرادة قبل ما |
|
أرى الفعل مني والأسير مطاوع |
إذا كنت في أمر الشريعة عاصيا |
|
فإني في حكم الحقيقة طائع |
قوله : (التَّوَّابُ) أي كثير التوبة ، بمعنى أن العبد كلما أذنب وتاب قبله فهو كثير القبول لتوبة من تاب ، ويسمى العبد توابا بمعنى أنه كلما أذنب ندم واستغفر ولا يصر ، وشرط توبة العبد الندم والإقلاع والعزم على أن لا يعود ، فإن كانت المعصية متعلقة بمخلوق اشترط إما رد المظالم لأهلها أو مسامحتهم له ، فكل من العبد والرب يسمى توابا بالوجه المتقدم ، لكن لا يقال في الرب تائب لأن أسماءه توقيفية ، وقد