نصل وكانت سبعة عند سادن الكعبة عليها أعلام وكانوا يحكمونها فإن أمرتهم ائتمروا وإن نهتهم انتهوا (ذلِكُمْ فِسْقٌ) خروج عن الطاعة. ونزل يوم عرفة عام حجة الوداع (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ) أن ترتدوا عنه بعد طمعهم في ذلك لما رأوا من قوته (فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) أحكامه وفرائضه فلم ينزل بعدها حلال ولا حرام (وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ
____________________________________
وكان في الكعبة ، وأعطوا صاحب القداح مائة درهم ، فإن خرج أمرني ربي فعلوا ذلك الأمر ، وإن خرج نهاني ربي لم يفعلوا ، وإذا كان ذلك لنسب ، فإن خرج منكم ، ألحقوا بهم ، وإن خرج من غيركم لم يلحقوه ، وإن خرج ملصق ، كان على حاله ، وإن اختلفوا في العقل وهو الدية ، فمن خرج عليه العقل تحمله ، وإن خرج الغفل فعلوا ثانيا حتى يخرج المكتوب ، فنهاهم الله عن ذلك. قوله : (عند سادن الكعبة) أي خادمها. قوله : (عليها أعلام) أي كتابة. قوله : (وكانوا يحكمونها) في نسخة يجيبونها أي يجيبون حكمها.
قوله : (ذلِكُمْ فِسْقٌ) أي الاستقسام المذكور خروج عن طاعة الله. إن قلت : إن هذه بعينها هي القرعة الجائزة في الإسلام. أجيب بأن تحريم هذه إنما جاء من إحالتها للصنم وتفويض الأمر له ، ولذا وقعت القرعة بحضرة ولي ميت مثلا ، وفوض الأمر له ، لكان الحكم الحرمة ، كالاستقسام بالأزلام ، واسم الإشارة مبتدأ ، وفسق خبر ، وهو راجع إلى الاستقسام بالأزلام ، كما هو مروي عن ابن عباس ، وقيل راجع إلى جميع ما تقدم ، وكل صحيح. قوله : (ونزل يوم عرفة) أي والنبي قائم يخطب بها فأل في اليوم للعهد الحضوري ، والمعنى اليوم الحاضر ، وهو يوم عرفة ، وكان يوم جمعة ، وعاش النبي صلىاللهعليهوسلم بعد نزولها أحدا وثمانين يوما. قوله : (يَئِسَ) اليأس ضد الرجاء ، والمعنى انقطع طمع الكفار في إبطال دينكم لما شاهدوا من دخول الناس فيه أفواجا ، وذلك أن قبل الوداع حجة أبو بكر بالناس ، وأرسل النبي صلىاللهعليهوسلم عليا خلفه ينادي : لا يحج بعد هذا العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان ، ففي حجة الوداع تفرد النبي وأصحابه بالحج ، فحينئذ نزلت الآية المشرفة. قوله : (لما رأوا) علة لقوله يئس ، وقوله : (بعد طمعهم) متعلق بيئس أيضا. قوله : (فَلا تَخْشَوْهُمْ) أي لا تخافوهم لا ظاهرا ولا باطنا. قوله : (وَاخْشَوْنِ) بحذف الياء وصلا ووقفا ، بخلاف واخشوني في البقرة فإنها بثبوت الياء وصلا ووقفا اتفاقا ، وبخلاف الآتية في (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ) ففيها الحذف والإثبات ، والمعنى لا تخافوا من الكفار وخافون ، لأني مالك الدنيا والآخرة عزا وذلا ، ولا يملك ذلك غيري ، فمن شهد ذلك وكمل دينه ، فلا يخاف إلا مولاه ، ولا يرجو سواه ، فإنه المعطي المانع ، الضار النافع.
قوله : (الْيَوْمَ) بدل من اليوم قبله. قوله : (أحكامه وفرائضه) دفع بذلك ما يقال إنه قد نزل بعدها (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ) فيكون حينئذ الكمال نسبيا. فأجاب بأن المراد إكمال الأحكام والفرائض التي أرسل بها رسول الله ، وأما آية (وَاتَّقُوا يَوْماً) فهي موعظة ولا حكم فيها. إن قلت إن قوله : (أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) يقتضي نقصانه قبل ذلك. وأجيب : بأن القرآن نزل جملة في بيت العزة في سماء الدنيا ، وصار ينزل بعد ذلك مفرقا ، فحين نزول هذه كأن الله تعالى يقول لا تنتظروا بعد ذلك حكما ، فإني قد أتممت لكم ما قدرته لكم وادخرته عندي ، ولذلك حين نزلت بكى عمر ، فقال له رسول الله : «ما