أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ) المستلذات (وَ) صيد (ما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ) الكواسب من الكلاب والسباع والطير (مُكَلِّبِينَ) حال من كلبت الكلب بالتشديد أي أرسلته على الصيد (تُعَلِّمُونَهُنَ) حال من ضمير مكلبين أي تؤدبوهن (مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللهُ) من آداب الصيد (فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ) وإن قتلنه بأن لم يأكلن منه بخلاف غير المعلمة فلا يحل صيدها وعلامتها أن تسترسل إذا أرسلت وتنزجر إذا زجرت وتمسك الصيد ولا تأكل منه وأقل ما يعرف به ذلك ثلاث مرات فإن أكلت منه فليس مما أمسكن على صاحبها فلا يحل أكله كما في حديث الصحيحين وفيه أن صيد السهم إذا أرسل وذكر اسم الله عليه كصيد المعلم من الجوارح (وَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ) عند
____________________________________
فيه منها ، وروى الشيخان عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «من أمسك كلبا فإنه ينقص من عمله كل يوم قيراط» ، وفي رواية قيراطان ، إلا كلب حرث أو ماشية ، ويؤخذ من هذا الحديث أن قتل غير النافع من الكلاب مندوب ، إن لم يكن عقورا يخشى منه الضرر ولا يندفع إلا بالقتل ، وإلا وجب قتله عند مالك. قوله : (المستلذات) أي الشرعية وهي ما لم يثبت تحريمها بكتاب أو سنة ، فلا يرد لحم الخنزير مثلا إذا أتقن طبخه. قوله : (وَ) (صيد) (ما عَلَّمْتُمْ) قدره إشارة إلى أن ما معطوف على الطيبات لكن على حذف مضاف ، وصيد بمعنى مصيد ، ومن الجوارح بيان لما.
قوله : (مُكَلِّبِينَ) حال أي من التاء في علمتم. قوله : (من كلبت) أي مأخوذ من كلبت. قوله : (أرسلته على الصيد) أي فمعنى مكلبين مرسلين بمعنى قاصدين إرساله احترازا عما لو ذهبت من غير إرسال وأتى بصيد فلا يؤكل ، وفسره غيره بالتعليم ، فيكون حالا مؤكدة لعاملها ، وما قاله المفسر أوجه ، وإن رد بأنه لا مستند له في ذلك ، لأن المفسر حجة ، وعبر عن الإرسال بالتكليب ، إما إشارة إلى أن ذلك غالب في الكلاب ، أو أن الكلب يطلق على كل ما يصاد به سبع وطير. قوله : (حال من ضمير مكلبين) أي مؤكدة إن فسر مكلبين بمعلمين ، ومؤسسة إن فسر بمرسلين ، ويصح أن يكون جملة مستأنفة موضحة لما قبلها. قوله : (مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللهُ) من للتبعيض ، وقوله : (من آداب الصيد) بيان لما.
قوله : (فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ) نتيجة قوله : (وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ) وقوله : (عَلَيْكُمْ) أي لكم قوله : (بأن لم يأكلن منه) أي فإن أكلن منه فلا يؤكل وهو داخل في قوله ما أكل السبع ، وهذا الشرط اعتبره الشافعي ، وعند مالك يؤكل ، ولو أكل منه الجارح ، فإن أدرك حيا فلا بد من ذكاته الشرعية ، فقوله : (بأن لم يأكلن) تفسير لقوله : (أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ) لأنه إن أكل منه فليس ممسكا لصاحبه بل لنفسه ، وقد علمت أن هذا التقييد مذهب الشافعي ، وسيأتي إيضاحه في آخر عبارة المفسر ، قوله : (وعلامتها الخ) ذكر أربع علامات وهي معتبرة في الكلب والسبع ، وأما في الطير كالصقر فلا يعتبر فيه إلا قيدان ، أن لا يأكل منه ، وأنه إذا أرسل استرسل. والحاصل أن المدار عند مالك في الصقر أنه إذا أرسل استرسل ، وزاد الشافعي فيه أن لا يأكل مما أمسك ، وأما في الكلب والسبع ففيه القيود الأربعة التي ذكرها المفسر ، ما عدا الأكل عند مالك قوله : (كما في حديث الصحيحين) أي ولكن هذا الحديث لم يأخذ به مالك قوله : (وفيه) أي في الحديث قوله : (وذكر اسم الله عليه) أي وهو سنّة عند الشافعي ، وعند مالك واجب مع الذكر والقدرة ، وأما النية فلا بد منها لأنها شرط صحة قوله : (كصيد المعلم من الجوارح) ألحق