وهم المنافقون (وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا) قوم (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ) الذي افترته أحبارهم سماع قبول (سَمَّاعُونَ) منك (لِقَوْمٍ) لأجل قوم (آخَرِينَ) من اليهود (لَمْ يَأْتُوكَ) وهم أهل خيبر زنى فيهم محصنان فكرهوا رجمهما فبعثوا قريظة ليسألوا النبي صلىاللهعليهوسلم عن حكمهما (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ) الذي في التوراة كآية الرجم (مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ) التي وضعه الله عليها أي يبدلونه (يَقُولُونَ) لمن أرسلوهم (إِنْ أُوتِيتُمْ هذا) الحكم المحرف أي الجلد أي أفتاكم به محمد (فَخُذُوهُ) فاقبلوه (وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ) بل أفتاكم بخلافه (فَاحْذَرُوا) أن تقبلوه (وَمَنْ يُرِدِ اللهُ فِتْنَتَهُ) إضلاله (فَلَنْ
____________________________________
أي لا بآمنا ، والمعنى أن إيمانهم لم يجاوز أفواههم ، وقوله : (وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ) الجملة حالية. قوله : (وهم المنافقون) أي ويسمون الآن زنادقة.
قوله : (وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا) يحتمل أنه معطوف على (مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا) فيكون بيانا للذين يسارعون في الكفر أيضا وهو الأقرب ، وعليه فقوله : (سَمَّاعُونَ) حال من الذين (هادُوا) ويحتمل أنه خبر مقدم ، وقوله (سَمَّاعُونَ) صفة لموصوف محذوف هو المبتدأ المؤخر ، فيكون كلاما مستأنفا ، وقد مشى عليه المفسر ، وعلى كل فقوله : (لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ) الخ راجع للفريقين.
قوله : (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ) أي من أحبارهم ، وسبب نزولها أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم لما هاجر إلى المدينة ، وقع بينه وبين قريظة صلح ، فصاروا يترددون عليه ، وبينه وبين يهود خيبر حرب ، فاتفق أنه زنى منهم محصنان شريف بشريفة ، فأفتوهم الأحبار بأنهما يجلدان مائة سوط ، ويسودان بالفحم ، ويركبان على حمار مقلوبين ، ثم إنهم بعثوا قريظة للنبي صلىاللهعليهوسلم يسألونه عن ذلك ، وقالوا لهم : إن قال لكم مثل ذلك فهو صادق ، وقوله حجة لنا عند ربنا ، وإلا فهو كذاب. فأتوه فأخبرهم بأنهما يرجمان ، وفي التوراة كذلك ، فقالوا إن أحبارنا أخبرونا بأنهما يجلدان ، فقال جبريل للنبي صلىاللهعليهوسلم اجعل بينك وبينهم ابن صوريا ووصفه له ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : هل تعرفون شابا أبيض أعور يقال له ابن صوريا؟ قالوا : نعم هو أعلم يهودي على وجه الأرض بما في التوراة ، قال : فأرسلوا إليه فأحضروه ، ففعلوا فأتاهم ، فقال له النبي صلىاللهعليهوسلم : أنت ابن صوريا؟ قال : نعم ، قال : وأنت أعلم اليهود؟ قال : كذلك يزعمون ، قال النبي : أترضون به حكما؟ قالوا : نعم ، قال النبي : أنشدك الله الذي لا إله إلا هو الذي فلق البحر وأنجاكم وأغرق آل فرعون ؛ هل تجدون في كتابكم الرجم على من أحصن؟ قال : نعم والذي ذكرتني به لو لا خشيت أن تحرقني التوراة إن كذبت أو غيّرت ما اعترفت ، فوثب عليه سفلة اليهود ، فقال : أنا خفت إن كذبت ينزل علينا العذاب ، ثم سأل النبي عن أشياء كان يعرفها من أعلامه ، فأجابه عنها فأسلم ، وأمر النبي بالزانيين فرجما عند باب المسجد. هكذا ذكر شيخنا الشيخ الجمل عن أبي السعود ولم نرها فيه ، ولكن تقدم لنا أن ابن صوريا أتى بالتوراة وقرأ ما قبل آية الرجم وما بعدها ووضع يده عليها ولم يقرأها ، فنبهه عليها عبد الله بن سلام فافتضح هو وأصحابه ، فلعلهما روايتان في إسلامه وعدمه. قوله : (أي يبدلونه) أي بأن يضعوا مكانه غيره.
قوله : (يَقُولُونَ) أي يهود خيبر ، وقوله : (لمن أرسلوهم) أي وهم قريظة. قوله : (الحكم المحرف)