لشدة هول يوم القيامة وفزعهم ثم يشهدون على أممهم لما يسكتون اذكر (إِذْ قالَ اللهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى والِدَتِكَ) بشكرها (إِذْ أَيَّدْتُكَ) قويتك (بِرُوحِ الْقُدُسِ) جبريل (تُكَلِّمُ النَّاسَ) حال من الكاف في أيدتك (فِي الْمَهْدِ) أي طفلا (وَكَهْلاً) يفيد نزوله قبل الساعة لأنه رفع قبل الكهولة كما سبق في آل عمران (وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ
____________________________________
جانب علمك كل شيء ، لأنك تعلم ما غاب عنا وما ظهر ، وأما علمنا فهو قاصر على بعض ما ظهر ، قوله : (وذهب عنهم علمه الخ) جواب عما يقال كيف يقولون لا علم لنا مع أنهم عالمون بذلك ، فيلزم عليه الإخبار بخلاف الواقع. فأجاب : بأن في ذلك الوقت يتجلى الله بالجلال على كل أحد حتى ينسى الرسل العصمة والمغفرة ، وتذهل كل مرضعة عما أرضعت ، وأما قوله تعالى : (لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ) أي انتهاء ، وأما في ابتداء الموقف فلشدة الهول يكونون جثيا على الركب يقولون رب سلم سلم ثم يحصل لهم ذهول ونسيان لما أجيبوا به ، فإذا آمنوا وسكن روعهم شهدوا على أممهم فلا منافاة ، وأجيب أيضا : بأن معنى قولهم : (لا عِلْمَ لَنا) تفويض الحكم والعلم لله تعالى ، كأنهم يقولون : أنت الحكم العدل وهم عبيدك فلا علاقة لنا بهم ، وأجيب أيضا : بأن المراد نفي العلم الحقيقي ، إذ هو لا يكون إلا لله تعالى ، لأنه المطلع على السرائر والظواهر ، وأما نحن فإنما نعلم منهم ما ظهر ، وما ذكره المفسر من أن الأنبياء يحصل لهم الفزع ابتداء حتى يذهلوا عن جواب أممهم لهم ثم يسكنون أحد الطريقين ، والطريق الثانية وعليها المحققون أن الرسل ومن كان على قدمهم آمنون ابتداء وانتهاء ، وإنما الفزع والهول للكفار والفساق ، وأما قول الرسل حينئذ نفسي نفسي لا أملك غيرها ، فلا يقتضي حصول الفزع ، وإنما معنى ذلك أنه يقول ليست الشفاعة العظمى لي وإنما هي لغيري ، فلا أملك إلا نفسي ، ولم يجعل الله لي الشفاعة العامة ، وذهاب الأمم للرسل وردهم إياهم إنما هو إظهار لفضله صلىاللهعليهوسلم وذلك هو المقام المحمود ، فالأحسن الجواب الثاني أو الثالث. قوله : (اذكر) قدره إشارة إلى أن إذ ظرف متعلق بمحذوف وليس متعلقا بما قبله ، لأن هذه قصة مستقلة.
قوله : (يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ) يا حرف نداء ، وعيسى منادى مبني على ضم مقدر على الألف منع من ظهوره التعذر في محل نصب ، وابن نعت له باعتبار المحل. قوله : (اذْكُرْ نِعْمَتِي) المقصود من ذلك توبيخ الكفرة حيث فرطوا في حقه وأفرطوا ، وليس المراد تكليفه بالشكر في ذلك اليوم لانقطاع التكليف بالموت. قوله : (قويتك) (بِرُوحِ الْقُدُسِ) أي فكان يسير معه حيث سار ، يعينه على الحوادث التي تقع ويلهمه العلوم والمعارف. قوله : (فِي الْمَهْدِ) تقدم أن المهد فراش الصبي ، ولكن المراد منه الطفولية ، فتكلم بقوله (إِنِّي عَبْدُ اللهِ) إلى آخر ما في سورة مريم. قوله : (وَكَهْلاً) إنما ذكر ذلك إشارة إلى أن كلامه على نسق واحد في ذكاء العقل وغزارة العلم. قوله : (كما سبق في آل عمران) الذي سبق له فيها أنه رفع وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة وهو سن الكهولة ، لأن من الثلاثين للأربعين هو سن الكهولة ، فقول الله تعالى : (وَكَهْلاً) صادق بكلامه قبل الرفع وبعده ، فلا يصح قوله هنا لأنه رفع قبل الكهولة ، ولكن الذي تقدم لنا أنه بعث على رأس الأربعين كغيره ، ومكث ثمانين بعد البعثة ، ورفع وهو ابن مائة وعشرين سنة ، فإذا نزل عاش أربعين ، فيكون مدة عمره مائة وستين سنة ، فيكون معنى قوله : (فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً) صغيرا أو كبيرا ، فعلى هذا ليس في الآية دليل على نزوله ، وإنما نزوله مأخوذ من غير هذا المحل. قوله : (الْكِتابَ)