أيام الدنيا أي في قدرها لأنه لم يكن ثم شمس ولو شاء خلقهن في لمحة والعدول عنه لتعليم خلقه التثبت (ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) هو في اللغة سرير الملك استواه يليق به (يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ) مخففا ومشددا أي يغطي كلا منهما بالآخر (يَطْلُبُهُ) يطلب كل منهما الآخر طلبا (حَثِيثاً) سريعا (وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ) بالنصب عطفا على السماوات والرفع مبتدأ خبره (مُسَخَّراتٍ)
____________________________________
يوم الثلاثاء ، وخلق يوم الأربعاء الصخر والماء والطين والعمران والخراب ، وخلق يوم الخميس السماء ، وخلق يوم الجمعة النجوم والشمس والقمر والملائكة إلى ثلاث ساعات بقين منه ، فخلق الله في أول ساعة من هذه الثلاث ساعات الآجال ، وفي الثانية ألقى الله الألفة على كل شيء مما ينتفع به الناس ، وخلق في الثالثة آدم وأسكنه الجنة وأمر إبليس بالسجود له ، وأخرجه منها في آخر ساعة ، واستشكل ذلك بأنه لم يكن ثم شمس ، والجواب بأن المراد في قدرها لا يجدي نفعا إلا أن يقال : إن ذلك التقدير في علم الله ، بحيث لو كانت الأيام موجودة لكانت كذلك ، ثم اعلم أن ما هنا من الأحاديث موافق لما يأتي في سورة فصلت ، من أن خلق الأرض مقدم على السماء ، ولا تنافي بينه وبين ما يأتي في سورة النازعات في قوله تعالى : (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها) المقتضى تقديم السماء على الأرض ، لأن الدحي غير الخلق ، فإن الأرض خلقت أولا كرة ، ثم بعد خلق السماء بسطت الأرض. قوله : (أي في قدرها) جواب عن سؤال مقدر أفاده المفسر بقوله : (لأنه لم يكن ثم شمس). قوله : (التثبت) أي التمهل في الأمور وعدم العجلة. قوله : (هو في اللغة سرير الملك) أي وتسميته عرشا ، إنما هو بالنسبة لما عدا الراكب عليه لعلوه عليهم ، وأما المراد به هنا فهو الجسم النوراني المرتفع على كل الأحسام المحيط بكلها. قوله : (استواء يليق به) هذه طريقة السلف الذين يفوضون علم المتشابه لله تعالى ، وهذا نظير ما وقع لمالك بن أنس أنه سأله رجل عن قوله تعالى : (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) فقال : الاستواء معلوم والكيف مجهول ، والإيمان به واجب ، والسؤال عنه بدعة ، أخرجوا عني هذا المبتدع ، وأما طريقة الخلف فيؤولون الاستواء بالاستيلاء بمعنى الملك والتصرف ، فالاستواء يطلق حقيقة على الركوب ، وهو مستحيل على الله وعلى الاستيلاء والتصرف وهو المراد ، قال الشاعر :
قد استوى بشر على العراق |
|
من غير سيف ودم مهراق |
وقد أشار صاحب الجوهرة للطريقتين بقوله :
وكل نص أوهم التشبيها |
|
أوله أو فوض ورم تنزيها |
قوله : (مخففا ومشددا) أي فهما قراءتان سبعيتان ، وعليهما فالليل فاعل والنهار مفعول لفظا ومعنى ، ووجب تقديم ما هو فاعل معنى لئلا يلتبس ، نحو أعطيت زيدا عمرا. قوله : (أي يغطى كلا منهما بالآخر) يشير إلى أن في الآية حذفا تقديره ويغشى النهار الليل ، ويؤيده آية : (يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ وَيُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ). قوله : (يَطْلُبُهُ حَثِيثاً) أي ليس بينهما فاصل ، والحث والحض بمعنى واحد ، وهو الطلب بسرعة ، وحثيثا نعت مصدر محذوف ، أي طلبا حثيثا. قوله : (بالنصب عطفا على السماوات) أي ونصب : (مُسَخَّراتٍ) على الحال من : (الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ). قوله : (والرفع) أي فهما قراءتان سبعيتان.