السحر وكانت دفنته تحت كرسيه لما نزع ملكه أو كانت تسترق السمع وتضم إليه أكاذيب وتلقيه إلى الكهنة فيدونونه وفشا ذلك وشاع أن الجن تعلم الغيب فجمع سليمان الكتب ودفنها فلما مات دلت الشياطين عليها الناس فاستخرجوها فوجدوا فيها السحر فقالوا إنما ملككم بهذا فتعلموه ورفضوا كتب أنبيائهم ، قال تعالى تبرئة لسليمان وردا على اليهود في قولهم انظروا إلى محمد يذكر سليمان في الأنبياء وما كان إلا ساحرا (وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ) أي لم يعمل السحر لأنه كفر (وَلكِنَ) بالتشديد والتخفيف (الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ) الجملة حال من ضمير كفروا (وَ) يعلمونهم (ما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ) أي ألهماه من السحر ،
____________________________________
جاءهم رسول بيان لسوء حالهم. قوله : (أي تلت) أشار بذلك إلى أن المضارع بمعنى الماضي ، لأن السماء محفوظة من استراقهم السمع من بعثة رسول الله وتلت بمعنى قرأت أو كذبت. قوله : (على عهد) على بمعنى في وعهد بمعنى زمن التقدير ، واتبعوا ما تلت الشياطين في زمن ملك سليمان ، ويحتمل أن تتلو بمعنى تتقول وعلى على بابها ومتعلقها محذوف تقديره على الله ، فيصير المعنى واتبعوا ما تتقوله الشياطين على الله زمن ملك سليمان ، وقوله : (من السحر) بيان لما وعائد الموصول محذوف تقديره تتلوه. قوله : (أو كانت تسترق السمع) أو لتنويع الخلاف لأنه اختلف في الذي اتبعته اليهود ، فقيل هو السحر الذي وضعته الشياطين تحت كرسيه لما نزع ملكه ، وسبب ذلك أن امرأة من نساء سليمان سجدت لصنم أربعين يوما فعاتبه الله بنزع ملكه تلك المدة ، وسبب عزله أنه كان خاتمه الذي نزل به آدم من الجنة يضعه إذ دخل الخلاء عند امرأة من نسائه تسمى الأمينة ، وكان كل من لبسه يملك الدنيا بما فيها ، فوضعه عندها مرة فجاءها شيطان يسمى صخر المارد ، وتشكل بشكل سليمان وطلب الخاتم فأعطته له ، ثم أتى الكرسي وجلس عليه أربعين يوما فجمعت الشياطين كتب السحر ودفنتها تحت كرسيه ، ثم لما انقضت المدة وجاء الأمر بتولية سليمان ثانيا طار الشيطان فوقع الخاتم في البحر فحملته دابة من دواب الماء وأتته به ، فأمر سليمان الشياطين أن يأتوا بصخر المارد فأتوه به ، فأمرهم أن يفتحوا صخرة ففعلوا ثم أمرهم أن يضعوه فيها ويسدوا عليه بالرصاص والنحاس ويرموه في قعر البحر الملح ففعلوا فلما مات سليمان دلت الشياطين على تلك الكتب المدفونة الناس ، وقيل إنه ما استرقته الشياطين من السماء ، فكان الشيطان يسمع الكلمة الصدق ويضع عليها تسعة وتسعين كذبة ويلقيها إلى الكهنة ، إلى آخر ما قال المفسر. قوله : (دلت الشياطين) المراد الجنس لأن الذي دل شيطان منهم. قوله : (لأنه كفر) أي في شرعه وأما في شرعنا ففيه تفصيل ، فإن اعتقد صحته وأنه يؤثر بنفسه فهو كفر ، وأما إن تعلمه ليسحر به الناس فهو حرام ، وإن كان لا لشيء فمكروه ، وإن كان ليبطل به السحر فجائز ، وعرفه ابن العربي بأنه كلام مؤلف يعظم به غير الله وتنسب له المقادير ، فعليه هو كفر حتى في شرعنا ، وعبارة الغزالي تفيد ما قاله ابن العربي. قوله : (يُعَلِّمُونَ النَّاسَ) إما بدل من كفروا بدل فعل من فعل على حد إن تصل تسجد لله يرحمك ، أو خبر بعد خبر أو جملة مستأنفة أو حال من الشياطين أو حال من الواو في كفروا ، فهذه خمس احتمالات اختار المفسر آخرها. قوله : (ويعلمونهم) (ما أُنْزِلَ) أشار بذلك إلى أن ما اسم موصول معطوف على السحر من عطف الخاص على العام ، والنكتة قوة ما أنزل على الملكين وصعوبته ويحتمل أنه مغاير ، وأن ما أنزل على الملكين وإن كان سحرا إلا أنه نوع آخر منه غير متعارف بين الناس. قوله : (وقرىء) أي قراءة شاذة وفيها دليل لمن يقول إنهما ليسا